كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 1)

في كونه وحيا من الله تعالى لا أن لا يرتاب فيه حتى لا يصح ويحتاج إلى تنزيل وجود الريب عن البعض منزلة العدم لوجود ما يزيله وقيل إنه على الحذف كأنه قال لا سبب ريب فيه لأن الأسباب التي توجبه في الكلام التلبيس والتعقيد والتناقض والدعاوي العارية عن البرهان وكل ذلك منتف عن كتاب الله تعالى وقيل معناه النهي وإن كان لفظه خبرا أي لا ترتابوا فيه على حد لا رفث ولا فسوق وقيل معناه لا ريب فيه للمتقين فالظرف صفة وللمتقين خبر وهدى حال من الضمير المجرور أي لا ريب كائنا فيه للمتقين حال كونه هاديا وهي حال لازمة فيفيد إنتفاء الريب في جمع الأزمنة والأحوال ويكون التقييد كالدليل على إنتفاء الريب و لا لنفي إتصاف الأسم بالخبر لا لنفي قيد الأسم فلا تتوجه إليه ليختل المعنى نعم هو قول قليل الجدوى مع أن الغالب في الظرف الذي بعد لا هذه كونه خبرا وإنما لم يقل سبحانه لا فيه ريب على حد لا فيها غول لأن التقديم يشعر بما يبعد عن المراد وهو أن كتابا غيره فيه الريب كما قصد في الآية تفضيل خمر الجنة على خمور الدنيا بأنها لا تغتال العقول كما تغتالها فليس فيها ما في غيرها من العيب قاله الزمخشري وبعضهم لم يفرق بين ليس في الدار رجل وليس رجل في الدار حتى أنكر أبو حيان إفادة تقديم الخبر هنا الحصر وهو مما لا يلتفت إليه وقرأ سليم أبو الشعثاء لا ريب فيه بالرفع وهو لكونه نقيضا لريب فيه وهو محتمل لأن يكون إثباتا لفرد ونفيه يفيد إنتفاءه فلا يوجب الإستغراق كما في القراءة المشهورة ولهذا جاز لا رجل في الدار بل رجلان دون لا رجل فيها بل رجلان فلا لعموم النفي لا لنفي العموم والوقف على فيه هو المشهور وعليه يكون الكتاب نفسه هدى وقد تكرر ذلك في التنزيل وعن نافع وعاصم الوقف على لا ريب ولا ريب في حذف الخبر وذهب الزجاج إلى جعل لا ريب بمعنى حقا فالوقف عليه تام إلا أنه أيضا دون الأول وقرأ إبن كثير فيهي بوصل الهاء ياء في اللفظ وكذلك كل هاء كناية قبلها ياء ساكنة فإن كان قبلها ساكن غير الياء وصلها بالواو ووافقه حفص في فيه مهانا وملاقيه وسأصليه والباقون لا يشبعون وإذا تحرك ما قبل الهاء أشبعوه وقرأ الزهري وإبن جندب بضم الهاء من الكنايات في جميع القرآن على الأصل والهدى في الأصل مصدر هدى أو عوض عن المصدر وكل في كلام سيبويه ولم يجيء من المصادر بهذه الزنة إلا قليل كالتقى والسرى والبكى بالقصر في لغة ولقى كما قال الشاطبي وأنشد : وقد زعموا حلما لقاك فلم أزد بحمد الذي أعطاك حلما ولا عقلا والمراد منه هنا أسم الفاعل بأحد الوجوه المعروفة في أمثاله وهو لفظ مؤنث عند إبن عطية ومذكر عند اللحياني وبنو أسد يؤنثون كما قال الفراء فهو كالهداية وقد تقدم معناها وفي الكشاف هي الدلالة الموصلة إلى البغية وأستدل عليه بثلاثة وجوه الأول وقوع الضلال في مقابله كما في قوله تعالى : لعلي هدى أو في ضلال والضلال عبارة عن الخيبة وعدم اوصول إلى البغية فلو لم يعتبر الوصول في مفهوم الهدى لم يتقابلا لجواز الإجتماع بينهما والثاني أنه يقال مهدى في موضع المدح كمهتد ومن حصل له الدلالة من غير الإهتداء لا يقال له ذلك فعلم أن الإيصال معتبر في مفهومه والثالث أن أهتدى مطاوع هدى ولن يكون المطاوع في خلاف معنى اصله ألا ترى إلى نحو كسره فأنكسر وفيه بحث أما أولا فلأن المذكور في مقابلة الضلالة هو الهدى اللازم بمعنى الإهتداء مجازا أو إشتراكا وكلامنا في المتعدي ومقابله الإضلال ولا أستدلال به إذ ربما يفسر بالدلالة على ما لا يوصل ولا يجعله ضالا على أنه لو فسرت الهداية بمطلق الدلالة على ما من شأنه الإيصال أوصل أم لا وفسر الضلال المقابل لها تقابل الإيجاب والسلب بعدم تلك الدلالة المطلقة لزم منه عدم الوصول لأن سلب الدلالة المطلقة سلب للمقيدة إذ سلب الأعم يستلزم سلب الأخص فليس في هذا التقابل ما يرجح المدعى وأما ثانيا فلأنا لا نسلم أن الضلالة عبارة عن الخيبة

الصفحة 107