كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 1)

إلخ بل هو العدول عن الطريق الموصل إلى البغية فيكون الهدى عبارة عن الدلالة على الطريق الموصل نعم إن عدم الوصول إلى البغية لازم للضلالة ويجوز أن يكون اللازم أعم وأما ثالثا فلأنه لا يلزم من عدم إطلاق المهدي إلا على المهتدي أن يكون الوصول معتبرا في مفهوم الهدى لجواز غلبة المشتق في فرد مفهوم المشتق منه وأما رابعا فلأنا لا نسلم أن أهتدى مطاوع هدى بل هو من قبيل أمره فأتمر من ترتب فعل يغاير الأول فإن معنى هداه فأهتدى دله على الطريق الموصل فسلكه بدليل أنه يقال هداه فلم يهتد على أن جمعا يعتد بهم قالوا : لا يلزم من وجود الفعل وجود مطاوعه مطلقا ففي المختار لا يجب أن يوافق المطاوع أصله ويجب في غيره ويؤيده قوله تعالى وما نرسل بالآيات إلا تخويفا مع قوله سبحانه ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا فقد وجد التخويف بدون الخوف ولا يقال كسرته فما أنكسر والفرق بينهما مفصل في عروس الأفراح وأما خامسا فلأن ما ذكره معارض بما فيه الهداية وليس فيه وصول إلى البغية وقد مر بعضه ولهذا أختلفوا هل هي حقيقة في الدلالة المطلقة مجاز في غيرها أو بالعكس أو هي مشتركة بينهما أو موضوعة لقدر مشترك وإلى كل مذهب طأئفة قيل والمذكور في كلام الأشاعرة أن المختار عندهم ما ذكر في الكشاف وعند المعتزلة ماذكرناه والمشهور هو العكس والتوفيق بأن كلام الأشاعرة في المعنى الشرعي والمشهور مبني على المعنى اللغوي أو العرفي يخدشه إختيار صاحب الكشاف مع تصلبه في الإعتزال ما أختاره مع أن الظاهر في القرآن المعنى الشرعي فالأظهر للموفق عكس هذا التوفيق والحق عند أهل الحق أن الهداية مشتركة بين المعنيين المذكورين وعدم الإهلاك وبه يندفع كثير من القال والقيل والمتقين جمع متق أسم فاعل من وقاه فأتقى فقاؤه واو لا تاء والوقاية لغة الصيانة مطلقا وشرعا صيانة المرء نفسه عما يضر في الآخرة والمراتب متعددة لتعدد مراتب الضرر فأولاها التوقي عن الشرك والثانية عن الكبائرومنها الإصرار على الصغائر والثالثة ما أشير إليه بما رواه الترمذي عنه لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما به بأس وفي هذه المرتبة يعتبر ترك الصغائر ولذا قيل : خل الذنوب كبيرها وصغيرها فهو التقي وأصنع كما فوق أرض الشوك يحذر ما يرى لا تحقرن من صغيرة إن الجبال من الحصى وفي هذه المرتبة أختلفت عبارات الأكابر فقيل : التقوى أن لا يراك الله حيث نهاك ولا يفقدك حيث أمرك وقيل : التبري عن الحول والقوة وقيل : التنزه عن كل ما يشغل السر عن الحق وفي هذا الميدان تراكضت أرواح العاشقين وتفانت أشباح السالكين حتى قال قائلهم : ولو خطرت لي في سواك إرادة على خاطري سهوا حكمت بردتي وهداية الكتاب المبين شاملة لأرباب هذه المراتب أجمعين فإن أريد بكونه هدى للمتقين إرشاده إياهم إلى تحصيل المرتبة الأولى فالمراد بهم المشارفون مجازا لإستحالة تحصيل الحاصل وإيثاره على العبارة المعربة عن ذلك للإيجاز وتصدير السورة الكريمة بذكر أوليائه تعالى وتفخيم شأنهم وإعتبار المشارفة بالنظر إلى زمان نسبة الهدى فلا ينافى حسن التعقيب ب الذين يؤمنون لأن ذلك كما قيل بالنظر إلى زمان إثبات تلك النسبة كما يقال قتل قتيلا دفن في موضع كذا وربما جعل التقدير هم الذين في جواب من المتقون وحمل الكل على

الصفحة 108