كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 1)

فهو في المعنى اللغوي مجاز في كلام الشارع والأصل في الإطلاق الحقيقة وأيضا ورد عطف الأعمال على الإيمان كقوله تعالى : إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات والجزء لا يعطف على كله وتنزل الملائكة والروح على أحد الوجهين بتأويل الخروج لإعتبار خطابي وتخصيصها بالنوافل بناء على خروجها خلاف الظاهر وكفى بالظاهر حجة وأيضا جعل الإيمان شرط صحة الأعمال كقوله تعالى : ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن مع القطع بأن المشروط لا يدخل في الشرط لإمتناع إشتراط الشيء لنفسه إذ جزء الشرط شرط وأيضا ورد إثبات الإيمان لمن ترك بعض الأعمال كما في قوله تعالى وإن طائفتان من المؤمنين أقتتلوا مع أنه لا يتحقق للشيء بدون ركنه وأيضا ما ذكرناه أقرب إلى الأصل إذ لا فرق بينهما إلا بإعتبار خصوص المتعلق كما لا يخفى وقد أورد الخصم وجوها في الإلزام الأول أن الإيمان لو كان عبارة عن التصديق لما أختلف مع أن أيمان الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم لا يشبهه إيمان العوام بل ولا الخواص الثاني أن الفسوق يناقض الإيمان ولا يجامعه بنص ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق ولو كان بمعنى التصديق لما أمتنع مجامعته الثالث أن فعل الكبيرة مما ينافيه لقوله تعالى وكان بالمؤمنين رحيما مع قوله تعالى في المرتكب ولا تأخذكم بهما رأفة ولو كان بمعنى التصديق ما نافاه الرابع أن المؤمن غير مخزي لقوله تعالى يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه وقال سبحانه في قطاع الطريق ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم فهم ليسوا بمؤمنين مع أنهم مصدقون
الخامس مستطيع الحج إذا تركه من غير عذر كافر لقوله تعالى ولله على الناس حج البيت من أستطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين مع أنه مصدق السادس من لم يحكم بما أنزل الله مصدق مع أنه كافر بنص ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون السابع أن الزاني كذلك بنص قوله صلى الله تعالى عليه وسلم لا يزني الزاني وهو مؤمن وكذا تارك الصلاة عمدا من غير عذر وأمثال ذلك الثامن أن المستخف بنبي مثلا مصدق مع أنه كافر بالإجماع التاسع أن فعل الواجبات هو الدين لقوله تعالى وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة والدين هو الإسلام لقوله تعالى : إن الدين عند الله الإسلام والإسلام هو الإيمان لأنه لو كان غيره لما قبل من مبتغيه لقوله سبحانه ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه العاشر أنه لو كان هو التصديق لما صح وصف المكلف به حقيقة إلا وقت صدوره منه كما في سائر الأفعال مع أن النائم والغافل يوصفان به إجماعا مع أن التصديق غير باق فيهما الحادي عشر أنه يلزم أن يقال لمن صدق بآلهية غير الله سبحانه مؤمن وهو خلاف الإجماع الثاني عشر أن الله تعالى وصف بعض المؤمنين به عزوجل بكونه مشركا فقال وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ولو كان هو التصديقلأمتنع مجامعته للشرك سلمنا أنه هو ولكن ما المانع أن يكون هو التصديق باللسان كما قاله الكرامية كيف وأهل اللغة لا يفهمون من التصديق غير التصديق باللسان وأجيب عن الأول بأن التصديق الواحد وإن سلمنا عدم الزيادة والنقصان فيه من النبي والواحد منا إلا أنه لا يمتنع التفاوت بين الإيمانين بسبب تخلل الفعلة والقوة بين أعداد الإيمان المتجددة وقلة تخللها أو بسبب عروض الشبه والتشكيكات وعدم عروضها وللنبي الأكمل الأكمل صلى الله تعالى عليه وسلم
وللزنبور والبازي جميعا لدى الطيران أجنحة وخفق ولكن بين ما يصطاد باز وما يصطاده الزنبور فرق وعن الثاني بأن الآية ليس فيها ما يدل على أن الفسوق لا يجامع الإيمان فإنه لو قيل حبب إليكم العلم وكره إليكم

الصفحة 112