كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 1)

به نفسه معرى عن الحيثيات ورسالته غيب نصب عليها الدليل كما نصب لنا وإن أفترقنا بالخبر والمعاينة أو أنه من إسناد ما للبعض إلى الكل مجازا كبنو فلان قتلوا فلانا أو المراد أنهم يؤمنون بالغيب كما يؤمنون بالشهادة فأستوى عندهم المشاهد وغيره وأختار أبو مسلم الأصفهاني أن المراد أن هؤلاء المتقين يؤمنون بالغيب أي حال الغيبة عنكم كما يؤمنون حال الحضور لا كالمنافقين الذين إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤن فهو على حد قوله تعالى : ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب ويحتمل أن يقال حال غيبة المؤمن به ففي سنن الدارمي عن إبن مسعود رضي الله تعالى عنه أن الحرث بن قيس قال له عند الله نحتسب ما سبقتمونا إليه من رؤية رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال إبن مسعود عند الله نحتسب إيمانكم بمحمد صلى الله تعالى عليه وسلم ولم تروه إن أمر محمد صلى الله تعالى عليه وسلم كان بينا لمن رآه والذي لا إله إلا هو ما من أحد أفضل منإيمان بغيب ثم قرأ الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين إلى قوله : المفلحون ولا يلزم من تفضيل إيمان على آخر من حيثية تفضيله عليه من سائر الحيثيات ولا تفصيل المتصف بأحدهما على المتصف بالآخر فإن الأفضلية تختلف بحسب الإضافات والإعتبارات وقد يوجد في المفضول ما ليس في الفاضل وبالبيت إبن مسعود رضي الله تعالى عنه سكن لوعة الحرث بما ورد عنه مرفوعا نعم قوم يكونون بعدكم يؤمنون بي ولم يروني وما كان أغناه رضي الله تعالى عنه عما أجاب به إذ يخرج الصحابة رضي الله تعالى عنهم عن هذا العموم الذي في هذه الآية كما يشعر به قراءته لها مستشهدا بها وبه قال بعض أهل العلم وأنا لا أميل إلى ذلك وقيل المراد بالغيب القلب أي يؤمنون بقلوبهم لا كمن يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والباء على الأول للتعدية وعلى الثاني والثالث للمصاحبة وعلى الرابع للآلة وقرأ أبو جعفر وعاصم في رواية الأعشى عن أبي بكر بترك الهمزة من يؤمنون وكذا كل همزة ساكنة بل قد يتركان كثيرا من المتحركة مثل لا يؤاخذكم و يؤيد بنصره وتفصيل مذهب أبي جعفر طويل وأما أبو عمرو فيترك كل همزة ساكنة إلا أن يكون سكونها علامة للجزم مثل يهيء لكم ونبئهم و أقرأ كتابك فإنه لا يترك الهمزة فيها وروى عنه أيضا الهمزة في الساكنة وأما نافع فيترك كل همزة ساكنة ومتحركة إذا كانت فاء الفعل نحو يؤمنون و لا يؤاخذكم وأختلفت قراءة الكسائي وحمزة ولكل مذهب يطول ذكره ويقيمون من الإقامة يقال أقمت الشيء إقامة إذا وفيت حقه قال تعالى لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل أي توفوا حقهما بالعلم والعمل ومعنى يقيمون الصلاة يعدلون أركانها بأن يوقعوها مستجمعة للفرائض والواجبات أو لها مع الآداب والسنن من أقام العود إذا قومه أو يواظبون عليها ويداومون من قامت السوق إذا نفقت وأقمتها إذا جعلتها نافقة أو يتشمرون لأدائها بلا فترة عنها ولا توان من قولهم قام بالأمر وأقامه إذا جد فيه أو يؤدونها ويفعلونها وعبر عن ذلك بالإقامة لأن القيام بعض أركانها فهذه أربعة أوجه وفي الكلام على الأولين منها إستعارة تبعية وعلى الأخيرين مجاز مرسل وبيان ذلك في الأول أن يشبه تعديل الأركان بتقويم العود بإزالة إعوجاجه فهو قويم تشبيها له بالقائم ثم أستعير الإقامة من تسوية الأجسام التي صارت حقيقة فيها لتسوية المعاني كتعديل أركان الصلاة على ما هو حقها وقيل الإقامة بمعنى التسوية حقيقة في الأعيان والمعاني بل التقويم في المعاني كالدين والمذهب أكثر

الصفحة 115