كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 1)

فلا حاجة إلى الإستعارة ولايخفى ما فيه فإن المجازية ما لا شبهة فيها دراية ورواية وذاك الإستعمال مجاز مشهور أو حقيقة عرفية وفي الثاني بأن نفاق السوق كإنتصاب الشخص في حسن الحال والظهور التام فأستعمل القيام فيه والإقامة في إنفاقها ثم أستعيرت منه للمداومة فإن كلا منهما يجعل متعلقه مرغوبا متنافسا فيه متوجها إليه وهذا معنى لطيف لا يقف عليه إلا الخواص إلا أن فيه تجوزا من المجاز وكأنه لهذا مال الطيبي إلى أن في هذا الوجه كناية تلويحية حيث عبر عن الدوام بالإقامة فإن إقامة الصلاة بالمعنى الأول مشعرة بكونها مرغوبا فيها وإضاعتها تدل على إبتذالها كالسوق إذا شوهدت قائمة دلت على نفاق سلعتها ونفاقها على توجه الرغبات إليها وهو يستدعي الإستدامة بخلافها إذا لم تكن قائمة وفي الثالث بأن القيام بالأمر يدل على الإعتناء بشأنه ويلزمه التشعر فأطلق القيام على لازمه وقد يقال بأن قام بالأمر معناه جد فيه وخرج عن عهدته بلا تأخير ولا تقصير فكأنه قام بنفسه لذلك وأقامه أي رفعه على كاهله بجملته فحينئذ يصح أن يكون فيه إستعارة تمثيلية أو مكنية أو تصريحية ويجوز أن يكون أيضا مجازا مرسلا لأن من قام لأمر على أقدام الإقدام ورفعه على كاهل الجد فقد بذل فيه جهده وفي الرابع بأن الأداء المراد به فعل الصلاة والقيد خارج عبر عنه بالإقامة بعلاقة اللزوم إذ يلزم من تأدية الصلاة وإيجادها كلها فعل القيام وهو الإقامة لأن فعل الشيء فعل لأجزائه أو العلاقة الجزئية لأن الإقامة جزء أو جزئي لمطلق الفعل ويجوز أن يكون هناك إستعارة لمشابهة الأداء للإقامة في أن كلا منهما فعل متعلق بالصلاة
وإلى ترجيح أول الأوجه مال جمع لأنه أظهر وأقرب إلى الحقيقة وأفيد وهو المروي عن ترجمان القرآن إبن عباس رضي الله تعالى عنهما كما أخرجه إبن جرير وإبن أبي حاتم من طرق عنه ولعل ذلك منه عن توقيف من رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أو حمل لكلام الله سبحانه وتعالى على أحسن محامله حيث أنه المناسب لترتيب الهدى الكامل والفلاح التام الشامل وفيه المدح العظيم والثناء العميم ولا يبعد أن يقال بإستلزامه لما في الأوجه الأخيرة وتعين الأخير كما قيل في حديث أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام لا يضر في أرجحية الأول في الكلام القديم إذ يرد أنه لو أريد ذلك قيل يصلون والعدول عن الأخصر الأظهر بلا فائدة لا يتجه في كلام بليغ فضلا عن أبلغ الكلام ولكل مقام مقال فأفهم و الصلاة في الأصل عند بعض بمعنى الدعاء ومنه قوله صلى الله تعالى عليه وسلم إذا دعى أحدكم إلى طعام فليجب وإن كان صائما فليصل وهي عند أهل الشرع مستعملة في ذات الأركان لأنها دعاء بالألسنة الثلاثة الحال والفعل والمقال والمشهور في أصول الفقه أن المعتزلة على أن هذه وأمثالها حقائق مخترعة شرعية لأنها منقولة عن معان لغوية والقاضي أبو بكر منا على أنها مجازات لغوية مشهورة لم تصر حقائق وجماهير الأصحاب على أنها حقائق شرعية عن معان لغوية وقال أبو علي ورجحه السهيلي الصلاة من الصلوين لعرقين في الظهر لأن أول ما يشاهد من أحوالها تحريكهما للركوع وإستحسانه إبن جني وسمى الداعي مصليا تشبيها له في تخشعة بالراكع الساجد وقيل أخذت الصلاة من ذاك لأنها جاءت ثانية للإيمان فشبهت بالمصلى من الخيل للآتي مع صلوي السابق وأنكر الإمام الإشتقاق من الصلوين مستندا إلى أن الصلاة منأشهر الألفاظ فإشتقاقها من غير المشهور في غاية البعد وأكاد أوافقه وإن قيل إن عدم الإستشهار لا يقدح في النقل وقيل من صليت العصا إذا قومتها بالصلي فالمصلي كأنه يسعى في تعديل ظاهره وباطنه مثل ما يحاول تعديل الخشبة بعرضها على النار وهي فعله

الصفحة 116