كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 1)
بفتح العين على المشهور وجوز بعضهم سكونها فتكون حركة العين منقولة من اللام وقد أتفقت المصاحف على رسم الواو مكان الألف في مشكوة ونجاة ومناة وصلاة وزكاة وحياة حيث كن موحدات مفردات محلات باللام وعلى رسم المضاف منها كصلاتي بالألف وحذفت من بعض المصاحف العثمانية وأتفقوا على رسم المجموع منها بالواو على اللفظ قال الجعبري : ووجه كتابة الواو الدلالة على أن أصلها المنقلبة عنه واو وهو إتباع للتفخيم وهذا معنى قول إبن قتيبة بعض العرب يميلون الألف إلى الواو ولم أختر التعليل به لعدم وقوعه في القرآن العظيم وكلام الفصحاء والمراد بالصلاة هنا الصلاة المفروضة وهي الصلوات الخمس كما قاله مقاتل أو الفرائض والنوافل كما قاله الجمهور والأول هو المروي عن إبن عباس رضي الله تعالى عنهما وأدعى الإمام أنه هو المراد لأنه الذي يقع عليه الفلاح لأنه صلى الله تعالى عليه وسلم لما بين للأعرابي صفة الصلاة المفروضة قال والله لا أريد عليها ولا أنقص منها فقال عليه الصلاة و السلام أفلح الأعرابي إن صدق والرزق بالفتح لغة الإعطاء لما ينتفع الحيوان به وقيل إنه يعم غيره كالنبات وبالكسر أسم منه ومصدر أيضا على قول وقيل أصل الرزق الحظ ويستعمل بمعنى المرزوق المنتفع به وبمعنى الملك وبمعنى الشكر عند أزد وأختلف المتكلمون في معناه شرعا فالمعول عليه عند الأشاعرة ما ساقه الله تعالى إلى الحيوان فأنتفع به سواء كان حلالا أو حراما من المطعومات أو المشروبات أو الملبوسات أو غير ذلك والمشهور أنه أسم لما يسوقه الله تعالى إلى الحيوان ليتغذى به ويلزم على الأول أن تكون العواري رزقا لأنها مما ساقه الله تعالى للحيوان فأنتفع به وفي جعلها رزقا بعد بحسب العرف كما لايخفى ويلزم أيضا أن يأكل شخص رزق غيره لأنه يجوز أن ينتفع به الآخر بالأكل إلا أن الآية توافقه إذ يجوز أن يكون الإنتفاع من جهة الإنفاق على الغير بخلاف التعريف الثاني إذ ما يتغذى به لا يمكن إنفاقه إلا أن يقال إطلاق الرزق على المنفق مجاز لكونه بصدده والمعتزلة فسروه في المشهور تارة بما أعطاه الله تعالى عبده ومكنه من التصرف فيه وتارة بما أعطاه الله تعالى لقوامه وبقائه خاصة وحيث أن الإضافة إلى الله تعالى معتبرة في معناه وأنه لا رازق إلا الله سبحانه وأن العبد يستحق الذم والعقاب على أكل الحرام وما يستند إلى الله تعالى عزوجل عندهم لا يكون قبيحا ولا مرتكبه مستحقا ذما وعقابا قالوا إن الرزق هو الحلال والحرام ليس برزق وإلى ذلك ذهب الجصاص منا في كتاب أحكام القرآن وعندنا الكل منه وبه وإليه قل كل من عند الله ولا حول ولا قوة إلا بالله وإلى الله تصير الأمور والذم والعقاب لسوء مباشرة الأسباب بالإختيار نعم الأدب من خير رأس مال المؤمن فلا ينبغي أن ينسب إليه سبحانه إلا الأفضل فالأفضل كما قال إبراهيم عليه السلام : وإذا مرضت فهو يشفين وقال تعالى : أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم فالحرام رزق في نفس الأمر لكنا نتأدب في نسبته إليه سبحانه والدليل على شمول الرزق له ما أخرجه إبن ماجه وأبو نعيم والديلمي من حديث صفوان بن امية قال جاء عمرو بن قرة فقال يارسول الله إن الله قد كتب علي الشقوة فلا أراني أرزق إلا من دفي بكفي فأذن لي في الغنى من غير فاحشة فقال لا إذن لك ولا كرامة ولا نعمة كذبت أي عدو الله لقد رزقك الله تعالى رزقا حلالا طيبا فأخترت ما حرم الله تعالى عليك من رزقه مكان ما أحل الله لك من حلاله وحمله على المشاكلة كالقول بأنه يحتمل قوله عليه الصلاة و السلام فأخترت إلخ كونه رزقا لمن أحمل له فيسقط الإستدلال لقيام الإحتمال خلاف الظاهر جدا ومثل هذا الإحتمال إن قدح في الإستدلال لايبقى على وجه الأرض دليل والطعن في السند لا يقبل من غير مستند وهو مناط الثريا كما لا يخفى والإستدلال على هذا المطلب كما فعل البيضاوي وغيره بأنه لو لم يكن الحرام رزقا لم يكن المتغذي
الصفحة 117
404