كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 1)
باختها الصلاة في عدة مواضع من القرآن ومن التبعضية حينئذ مما لا يسئل عن سرها إذ الزكاة المفروضة لا تكون بجميع المال وأما إذا كان المراد بالإنفاق مطلقه الأعم مثلا ففائدة إدخالها الإشارة إلى أن إنفاق بعض المال يكفي في إتصاف المنفق بالهداية والفلاح ولا يتوقف على إنفاق جميع المال وقول مولانا البيضاوي تبعا للزمخشري : أنه للكف عن الإسراف المنهي عنه مخصوص بمن لم يصبر على الفاقة ويتجرع مرارة الإضافة وإلا فقد تصدق الصديق رضي الله تعالى عنه بجميع ماله ولم ينكره عليه صلى الله تعالى عليه وسلم لعلمه بصبره وإطلاعه على ما وقر في صدره ومن ههنا لما قيل للحسن بن سهل لا خير في الإسراف قال لا إسراف في الخير وقيل النكتة في إدخال من التبعضية هي أن الرزق أعم من الحلال والحرام فأدخلت إيذانا بأن الإنفاق المعتد به ما يكون من الحلال وهو بعض من الرزق و ما في الآية إما موصولة أو مصدرية أو موصوفة والأول أولى فالعائد محذوف وأستشكل بأنه إن قدر متصلا يلزم إتصال ضميرين متحدي الرتبة والإنفصال في مثله واجب وإن قدر منفصلا أمتنع حذفه إذ قد أوجبوا ذكر المنفصل معللين بأنه لم ينفصل إلا لغرض وإذا حذف فاتت الدلالة عليه وأجيب على إختيار كل أما الأول فبأنه لما أختلف الضميران جمعا وإفرادا جاز إتصالهما وإن إتحدا رتبة كقوله : لوجهك في الإحسان بسط وبهجة
أنا لهماه قفو أكرم والد وأيضا لايلزم من منع ذلك ملفوظا به منعه مقدرا لزوال القبح اللفظي وأما الثاني فبأن الذي يمنع حدفه ما كان منفصلا لغرض معنوي كالحصر لا مطلقا كما قال إبن هشام في الجامع الصغير وأشار إليه غير واحد وكتبت من متصلة بما محذوفة النون لأن الجار والمجرور كشيء واحد وقد حدفت النون لفظا فناسب حذفها في الخط قاله في البحر وجعل سبحانه صلات الذين أفعالا مضارعة ولم يجعل الموصول أل فيصله بأسم الفاعل لأن المضارع فيما ذكره البعض مشعر بالتجدد والحدوث مع ما فيه هنا من الإستمرار التجددي وهذه الأوصاف متجددة في المتقين وأسم الفاعل عندهم ليس كذلك ورتبت هذا النحو من الترتيب لأن الأعمال إما قلبية وأعظمها إعتقاد حقيقة التوحيد والنبوة والمعاد إذ لولاه كانت الأعمال كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء أو قالبية واصلها الصلاة لأنها الفارقة بين الكفر والإسلام وهي عمود الدين ومعراج الموحدين والأم التي يتشعب منها سائر الخيرات والمبرات ولهذا قال صلى الله تعالى عليه وسلم وجعلت قرة عيني في الصلاة وقد أظلق الله تعالى عليها الإيمان كما قاله جمع من المفسرين في قوله تعالى وما كان الله ليضيع إيمانكم أو مالية وهي الإنفاق لوجه الله تعالى وهي التي إذا وجدت علم الثبات على الإيمان وهذه الثلاثة متفاوتة الرتب فرتب سبحانه وتعالى ذلك مقدما الأهم فالأهم والألزم فالألزم لأن الإيمان لازم للمكلف في كل آن والصلاة في أكثر الأوقات والنفقة في بعض الحالات فأفهم ذاك والله يتولى هداك
والذين يؤمنون بما أنزل إليك وماأنزل من قبلك وبالأخرة هم يوقنون 4 عطف على الموصول الأول مفصولا وموصولا والمروي عن إبن عباس وإبن مسعود رضي الله تعالى عنهم أنهم مؤمنوا أهل الكتاب وحيث أن المتبادر من العطف أن الإيمان بكل من المنزلين على طريق الإستقلال أختص ذلك بهم لأن إيمان غيرهم بما أنزل من قبل إنما هو على طريق الإجمال والتبع للإيمان بالقرآن لا سيما في مقام المدح وقد دلت الآيات والأحاديث على أن لأهل الكتاب أجرين بواسطة ذلك وبهذا غايروا من قبلهم وقيل التغاير بإعتبار أن الإيمان الأول بالعقل وهذا بالنقل أو بأن ذاك بالغيب وهذا بما عرفوه كما يعرفون أبناءهم فأولئك على هدى حينئذ إشارة إلى الطائفة الأولى لأن إيمانهم بمحض الهداية الربانية وأولئك هم المفلحون
الصفحة 119
404