كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 1)
أجرين حينئذ والفرق بين البابين واضح ثم النسخ الذي أدعاه المرجح خلاف ماذكره الشهر ستاني وغيره من أن الإنجيل لم يبين أحكاما ولا أستبطن حلالا وحراما ولكنه رموز وأمثال ومواعظ والأحكام محالة إلى التوراة وقد قال المسيح ما جئت لأبطل التوراة بل جئت لأكملها وهذا خلاف ما تقتضيه الظواهر وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيقه وأما ثالثا فلأن ثبوت الصفات لمن آمن من أهل الكتاب لا يضرنا لأنها مذكورة في الأول صريحا وفي الثاني إلتزاما وأما رابعا فلأنا لا نسلم أن ذلك العطف لا يلائم المقام فنكات عطف الخاص على العام لا تخفى كثرتها على ذوي الأفهام فدع ما مر وخذ ما حلا وعندي بعد هذا كله أن الإعتراض ذكر والجواب أنثى لكن الرواية دعت إلى ذلك ولعل أهل مكة أدرى بشعابها وفوق كل ذي علم عليم على أن الدراية قد تساعده كما قيل بناء على أن إعادة الموصول وتوصيفه بالإيمان بالمنزلين مع إشتراكه بين جميع المؤمنين وإشتمال الإيمان بما أنزل إليك على الإيمان بما أنزل من قبلك يستدعي أن يراد به من لهم نوع إختصاص بالصلة وهم مؤمنوا أهل الكتاب حيث كانوا مطالبين بالإيمان بالقرآن خصوصا قال تعالى وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم مؤمنين بالكتب إستقلالا في الجملة بخلاف سائر المؤمنين ثم المتبادر من أهل الكتاب أهل التوراة والإنجيل وحمله على أهل الإنجيل خاصة وقد آمن منهم أربعون وإثنان وثلاثون جاءوا مع جعفر من أرض الحبشة وثمانية من الشام لا تساعده رواية ولا دراية كما لا يخفى والإنزال الإيصال والإبلاغ ولا يشترط أن يكون من أعلى خلافا لمن إدعاه نحو فإذا نزل بساحتهم أي وصل وحل وإنزال الكتب الآلهية قد مر في المقدمات ما يطلعك إلى معارجه وذكر أن معنى إنزال القرآن أن جبريل سمع كلام الله تعالى كيف شاء الله تعالى فنزل به أو أظهره في اللوح كتابة فحفظه الملك وذهب بعض السلف إلى أنه من المتشابه الذي نجزم به من غير بحث عن كيفيته وقال الحكماء إن نفوس الأنبياء عليهم السلام قدسية فتقوى على الإتصال بالملأ الأعلى فينتقش فيها من الصور ما ينتقل إلى القوة المتخيلة والحس المشترك فيرى كالمشاهد وهو الوحي وربما يعلو فيسمع كلاما منظوما ويشبه أن نزول الكتب من هذا وعندي أن هذا قد يكون لأرباب النفوس القدسية والأرواح الأنسية إلا أن أمر النبوة وراء وأين الثريا من يد المتناول
وفعلا الإنزال مبنيان للمفعول وقرأهما النخعي وأبو حيوة ويزيد بن قطيب مبنيين للفاعل وقريء شاذابما أنزل إليك بتشديد اللام ووجه ذلك أنه أسكن لام أنزل ثم حذف همزة إلى ونقل كسرتها إلى اللام فالتقى المثلان فأدغم وضمير الفاعل قيل الله وقيل جبريل عليه السلام وفي البحر أن فيه إلتفاتا لتقدم مما رزقناهم فخرج من ضمير المتكلم إلى ضمير الغيبة ولو جرى على الأول لجاءبما أنزلنا إليك وما أنزلنا من قبلكوأتى سبحانه بصلة ما الأولى فعلا ماضيا مع أن المراد بالمنزل جميعه لإقتضاء السياق والسباق له من ترتب الهدى والفلاح الكاملين عليه ولوقوعه في مقابلة ما أنزل قبل ولإقتضاء يؤمنون المنبيء عن الإستمرار والجميع لم ينزل وقت تنزل الآية لأمرين : الأول إنه تغليب لما وجد نزوله على ما لا يوجد فهو من قبيل إطلاق الجزء على الكل والثاني تشبيه جميع المنزل بشيء نزل في تحقق الوقوع لأن بعضه نزل وبعضه سينزل قطعا فيصير إنزال مجموعه مشبها بإنزال ذلك الشيء الذي نزل فتستعار صيغة الماضي من إنزاله لإنزال المجموع هذا ما حققه من يعقد عند ذكرهم الخناصر وفيه دغدغة كبرى وأهون منه أن التعبير بالماضي هنا للمشاكلة لوقوع غير المتحقق في صحبة المتحقق وأهون من ذلك كله أن المراد به حقيقة الماضي ويدل على الإيمان بالمستقبل بدلالة النص وما قيل من أن الإيمان بما سينزل ليس بواجب إلا أن حمله على الجميع أكمل فلذا أقتصر عليه لا وجه له إذ لا شبهة في أنه يلزم المؤمن أن يؤمن بما
الصفحة 121
404