كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 1)

نزل وبأن كل ما سينزل حق وإن لم يجب تفصيله وتعيينه وقد ذكر العلماء أن الإيمان إجمالا بالكتب المنزلة مطلقا فرض عين وتفصيلا بالقرآن المتعبد بتفاصيله فرض كفاية إذ لو كان فرض عين أدى إلى الحرج والمشقة والدين يسر لا عسر وهذا مما لا شبهة فيه حتى قال الدواني : يجب على الكفاية تفصيل الدلائل الأصولية بحيث يتمكن معه من إزالة الشبه وإلزام المعاندين وإرشاد المسترشدين وذكر الفقهاء أنه لا بد أن يكون في كل حد من مسافة القصر شخص متصف بهذه الصفة ويسمى المنصوب للذب ويحرم على الإمام إخلاؤها من ذلك كما يحرم إخلاؤها عن العالم بالأحكام التي يحتاج إليها العامة وقيل لا بد من شخص كذلك في كل إقليم وقيل يكفي وجوده في جميع البلاد المعمورة الإسلامية ولعل هذا التنزل لنزول الأمر وقلة علماء الدين في الدنيا بهذا العصر أمست يبابا وأمسى اهها أحتملوا أخنى عليها الذي أخنى على لبد وإلى الله تعالى المشتكى وإليه الملتجى إلى الله أشكو إن في القلب حاجة تمر بها الايام وهي كما هيا والآخرة تأنيث الآخر أسم فاعل من أخر الثلاثي بمعنى تأخر وإن لم يستعمل كما أن الآخر بفتح الخاء اسم تفضيل منه وهي صفة في الأصل كما فيالدار الآخرةوينشيء النشأة الآخرةثم غلبت كالدنيا والوصف الغالب قد يوصف به دون الأسم الغالب فلا يقال قيد أدهم للزوم التكرار في المفهوم وهو وإن كان من الدهمة إلا أنه يستعمله من لا تخطر بباله أصلا فأفهم وقد تضاف الدار لها كقوله تعالى ولدار الآخرة أي دار الحياة الآخرة وقد يقابل بالأولى كقوله سبحانه وتعالى : له الحمد في الأولى والآخرة والمعنى هنا الدار الآخرة أو النشأة الآخرة والجمهور على تسكين لام التعريف وإقرار الهمزة التي تكون بعدها للقطع وورش يحذف وينقل الحركة إلى اللام والإيقان التحقق للشيء كسكونه ووضوحه يقال يقن الماء إذا سكن وظهر ما تحته وهو واليقين بمعنى خلافا لمن وهم فيه قال الجوهري اليقين العلم وزوال الشك يقال منه يقنت بالكسر يقينا وأيقنت وأستيقنت كلها بمعنى وذهب الواحدي وجماعة إلى أنه ما يكون عن نظر وإستدلال فلا يوصف به البديهي ولا علم الله تعالى
وذهب الإمام النسفي وبعض الأئمة إلى أنه العلم الذي لا يحتمل النقيض وعدم وصف الحق سبحانه وتعالى به لعدم التوقيف وذهب آخرون إلى أنه العلم بالشيء بعد أن كان صاحبه شاكا فيه سواء كان ضروريا أو أستدلاليا وذكر الراغب أن اليقين من صفة العلم فوق المعرفة والدراية وأخواتها يقال علم يقين ولا يقال معفة يقين وهو سكون النفس مع ثبات الحكم وفي الأحياءوالقلب إليه يميلأن اليقين مشترك بين معنيين الأول عدم الشك فيطلق على كل ما لا شك فيه سواء حصل بنظر أو حس أو غريزة عقل أو بتواتر أو دليل وهذا لا يتفاوت الثاني وهو ما صرح به الفقهاء والصوفية وكثير من العلماء وهو ما لا ينظر فيه إلى التجويز والشك ل إلى غلبته على القلب حتى يقال فلان ضعيف اليقين بالموت وقوي اليقين بإثبات الرزق فكل ما غلب على القلب وأستولى عليه فهو يقين وتفاوت هذا ظاهر وقرأ الجمهور يوقنون بواو ساكنة بعد الياء وهي مبدلة منها لأنه من أيقن وقرأ النميري بهمزة ساكنة بدل الواو وشاع عندهم أن الواو إذا ضمت ضمة غير عارضة كما فصل في العربية يجوز إبدالها همزة كما قيل في وجوه جمع وجه أجوه فلعل الإبدال هنا لمجاورتها للمضموم فأعطيت حكمه وقد يؤخذ الجار بظلم الجار وغاير سبحانه بين الإيمان بالمنزل والإيمان بالآخرة فلم يقلوبالآخرة هم يؤمنون دفعا لكلفة التكرار أو لكثرة غرائب متعلقات الآخرة وما أعد فيها من الثواب

الصفحة 122