كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 1)
ما أنطوى عليه أسمهم إجمالا من نعوت الكمال وبيان ما تستدعيه من النتيجة أي الذين هذه شؤونهم أحقاء بما هو أعظم من ذلك وهذا المسلك يسلك تارة بإعادة من أستؤنف عنه الحديث كأحسنت إلى زيد زيد حقيق بالإحسان وأخرى بإعادة صفته كأحسنت إلى رد صديقك القديم أهل لذلك وهذا أبلغ لما فيه من بيان الموجب للحكم وإيراد أسم الإشارة هنا بمنزلة إعادة الموصوف بصفاته المذكورة مع ما فيه من الأشعار بكمال تميزه بها وإنتظامه لذاك في سلك الأمور المشاهدة مع الإيماء إلى بعد منزلته وعلو درجته هذا وجعل أولئك وحده خبرا و على هدى حال بعيد كجعله بدلا منالذينوالظرف خبرا وإنما كتبوا واوا في أولئك للفرق بينه وبين إليك الجار والمجرور كما قيل وقيل إنه لما كان مشارا به لجمع المذكر وكان مبنيا ومباينا للشائع من صيغ الجموع جبر في الجملة بكتابة حرف يكون في الجمع في بعض الآيات ومن المشهور ردوا السائل ولو بظلف محرق وفي قوله سبحانه على هدى إستعارة تمثيلية تبعية حيث شبهت حال أولئك وهي تمكنهم من الهدى وإستقرارهم عليه وتمسكهم به بحال من أعتلى الشيء وركبه ثم أستعير للحال التي هي المشبه المتروك كلمة الإستعلاء المستعملة في المشبه به وإلى ذلك ذهب السعد وأنكر السيد إجتماع التمثيلية والتبعية لأن كونها تبعية يقتضي كون كل من الطرفين معنى مفردا لأن المعاني الحرفية مفردة وكونها تمثيلية يستدعي إنتزاعهما من أمور متعددة وهو يستلزم تركبه
وأبدى قدس سره في الآية ثلاثة أوجه الأول أنها إستعارة تبعية مفردة بأن شبه تمسك المتقين بالهدى بإستعلاء الراكب على مركوبه في التمكن والإستقرار فأستعير له الحرف الموضوع للأستعلاء الثاني أن يشبه هيئة منتزعة من المتقي والهدى وتمسكه به بالهيئة المنتزعة من الراكب والمركوب وإعتلائه عليه فيكون هناك إستعارة تمثيلية تركب كل من طرفيها لكن لم يصرح من الألفاظ التي بأزاء المشبه به إلا بكلمة على فإن مدلولها هو العمدة في تلك الهيئة وما عداه تابع له ملاحظ في ضمن ألفاظ منوية وإن لم تقدر في نظم الكلام فليس في على إستعارة أصلا بل هي على حالها قبل الإستعارة كما إذا صرح بتلك الألفاظ كلها الثالث أن يشبه الهدى بالمركوب على طريق الإستعارة بالكناية وتجعل كلمة على قرينة لها على عكس الوجه الأول وهذا الخلاف بين الشيخين في هذه المسألة مما سارت به الركبان وعقدت له المجالس وصنفت فيه الرسائل وأول ما وقع بينهما في مجلس تيموروكان الحكم نعمان الخوارزمي المعتزلي فحكم والظاهر أنه لأمر ما للسيد السند والعلماء إلى اليوم فريقان في ذلك ولا يزالون مختلفين فيه إلا أن الأكثر مع السعد وأجابوا عن شبهة السيد بأن إنتزاع شيء من أمور متعددة يكون على وجوه شتى فقد يكون من مجموع تلك الأمور كالوحدة الإعتبارية وقد يكون من أمر بالقياس إلى آخر كالإضافات وقد يكون بعضه من أمر وبعضه من آخر وعلى الأولين لا يقتضي تركيبه بل تعدد مأخذه فيجوز حينئذ أن يكون المدلول الحرفي لكونه أمرا إضافيا كالإستعلاء حالة منتزعة من أمور متعددة فلجريانها في الحرف تكون تبعية ولكون كل من الطرفين حالة إضافية منتزعة من أمور متعددة تمثيلية ولعل إختيار القوم في تعريف التمثيلية لفظ الإنتزاع دون التركيب يرشد المنصف إلى عدم إشتراط التركيب في طرفيه وإلا لكان الأظهر لفظ التركيب وقد أشبعنا القول في ذلك وذكرنا ماله وما عليه في كتابنا الأجوبة العراقية عن الأسئلة الإيرانيةوفي هذا القدر هنا كفاية وفي تنكير هدى إشارة إلى عظمته فلا يعرف حقيقته ومقداره إلا اللطيف الخبير وإنما ذكر الرب مع أن الهدى لا يكون إلا منه سبحانه تأكيدا لذلك بإسناده إليه جل شأنه وفيه مناسبة واضحة إذ حيث كان ربهم ناسب أن يهيء لهم أسباب السعادتين ويمن عليهم بمصلحة الدارين وقد تكون
الصفحة 124
404