كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 1)

ثم صفة محذوفة أي على هدى أي هدى وحذف الصفة لفهم المعنى جائز وقيل يحتمل أن يكون التنوين للأفراد أي على هدى واحد إذ لا هدى إلا هدى ما أنزل إليه صلى الله تعالى عليه وسلم لنسخه ما قبله و من لإبتداء الغاية أو للتبعيض على حذف مضاف أي من هدى ربهم ومعنى كون ذلك منه سبحانه أنه هو الموفق لهم والمفيض عليهم من بحار لطفه وكرمه وإن توسطت هناك أسباب عادية ووسائط صورية على أن تلك الوسائط قد ترتفع من البين فيتبلج صبح العيان لذي عينين وقد قرأ إبن هرمزمن ربهمبضم الهاء وكذلك سائر ها آت جمع المذكر والمؤنث على الأصل من غير أن يراعى فيها سبق كسر أو ياء وأدغم النون في الراء بلا غنة الجمهور وعليه العمل وذهب كثير من أهل الأداء إلى الإدغام مع الغنة ورووه عن نافع وإبن كثير وأبي عمرو وإبن عامر وعاصم وأبي جعفر ويعقوب وأظهر النون أبو عون عن قالون وأبو حاتم عن يعقوب وهذه الأوجه جارية أيضا في النون والتنوين إذا لاقت لاما وأولئك هم المفلحون الفلاح الفوز والظفر بإدراك البغية وأصله الشق والقطع ويشاركه في معنى الشق مشاركة في الفاء والعين نحو فلى وفلق وفلذ وفي تكرار اسم الإشارة إشارة إلى أن هؤلاء المتصفين بتلك الصفات يستحقون بذلك الإستقلال بالتمكن في الهدى والإستبداد بالفلاح والإختصاص بكل منهما ولولاه لربما فهم إختصاصهم بالمجموع فيوهم تحقق كل واحد منهما بالإنفراد فيمن عداهم وإنما دخل العاطف بين الجملتين لكونهما واقعتين بين كمال الإتصال والإنفصال لأنهما وإن تناسبا مختلفان مفهوما ووجودا فإن الهدى في الدنيا والفلاح في الآخرة وإثبات كل منهما مقصود في نفسه وبهذا فارقا قوله تعالى أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون فالثانية فيه مؤكدة للأولى إذ لا معنى للتشبيه إلا بالأنعام المبالغة في الغفلة فلا مجال للعطف بينهما و هم يحتمل أن يكون فصلا أو بدلا فيكون المفلحون خبرا عن أولئك أو مبتدأ والمفلحون خبره والجملة خبر أولئك وهذه الجملة لا تخلو عن إفادة الحصر كما لا يخفى وقد ذكر غير واحد أن اللام في المفلح ونحرف تعريف بناء على أن المراد الثبات على الفلاح فهو حينئذ مما غلبت عليه الأسمية أو الحق بالصفة المشبهة فهي إما للعهد الخارجي للدلالة على أن المتقين هم الذين بلغك أنهم مفلحون في العقبى وضمير الفصل إما للقصرأو لمجرد تأكيد النسبة ولا إستبعاد في جريان القصر قلبا أو تعيينا بل إفرادا أيضا أو للجنس فتشير إلى ما يعرفه كل أحد من هذا المفهوم فإن أريد القصر كان الفصل لتأكيد النسبة ولتأكيد الإختصاص أيضا وإن أريد الإتحاد كان لمجرد تأكيد النسبة وتشبث المعتزلة والخوارج بهذه الآية لخلود تارك الواجب في العذاب لأن قصر جنس الفلاح على الموصوفين يقتضي إنتفاء الفلاح عن تارك الصلاة والزكاة فيكون مخلدا في العذاب وهذا أوهن من بيت العنكبوت فلا يصلح للإستدلال لأن الفلاح عدم الدخول أو لأن إنتفاء كمال الفلاح كما يقتضيه السياق والسباق لا يقتضي إنتفاءه مطلقا ولا حاجة إلى حمل المتقين على المجتنبين للشرك ليدخل العاصي فيهم لأن الإشارة ليست إليهم فقط فلا يجدي نفعا ككون الصفة مادحة كما لا يخفى وههنا سر دقيق وهو أنه سبحانه وتعالى حكى في مفتتح كتابه الكريم مدح العبد لباريه بسبب إحسانه إليه وترقى فيه ثم مدح الباري هنا عبده بسبب هدايته له وترقى فيه على أسلوب واحد فسبحانه من اله ماجدكم أسدى جميلا وأعطى جزيلا وشكر قليلا فله الفضل بلا عد وله الحمد بلا حد
إن الذين كفروا سواء عليهم أنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون 6 كلام مستأنف يتميز به حال الكفرة

الصفحة 125