كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 1)

الغواة المردة العتاة سيق إثر بيان بديع أحوال أضدادهم المتصفين بنعوت الكمال الفائزين بمطالبهم في الحال والمآل ولم يعطف على سابقيه عطف القصة على القصة لأن المقصود من ذلك بيان أتصاف الكتاب بغاية الكمال في الهداية تقريرا لكونه يقينا لا مجال للشك فيه ومن هذا بيان أتصاف الكفار بالأصرار على الكفر والضلال بحيث لا يجدي فيهم الإنذار والقول إنمها مسوقان لبيان حال الكتاب وأنه هدى لقوم وليس هدى لآخرين لايجدي نفعا لأن عدم كونه هدى لهم مفهوم تبعا لا مقصود أصالة على أن الإنتفاع به صفة كمال له يؤيد ما سبق من تفخيم شأنه وإعلاء مكانه بخلاف عدم الإنتفاع وقيل أن ترك العطف لكونه إستئنافا آخر كأنه قيل ثانيا ما بال غيرهم لم يهتدوا به فأجيب بأنهم لإعراضهم وزوال أستعدادهم لم ينجع فيهم دعوة الكتاب إلى الإيمان وليس بشيء لأنه بعد ما تقرر أن تلك الأوصاف المختصة هي المقتضية لم يبق لهذا السؤال وجه وأغرب من هذا تخيل أن الترك لغاية الإتصال زعما أن شرح تمرد الكفار يؤكد كون الكتاب كاملا في الهداية نعم يمكن على بعد أن وجه السؤال بأن يقال : لو كان الكتاب كاملا لكان هدى للكفار أيضا فيجاب بأن عدم هدايته إياهم لتمردهم وتعنتهم لا لقصور في الكتاب والنجم تستصغر الأبصار رؤيته والذنب للطرف لا للنجم في الصغر والعطف في قوله تعالى إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم لإتحاد الجامع إذ الجملة الأولى مسوقة لبيان ثواب الأخيار والثانية لذكر جزاء الأشرار مع ما فيهما من الترصيع والتقابل وقد عد التضاد وشبهه جامعا يقتضي العطف لأن الوهم ينزل المتضادين منزلة المتضايفين فيجتهد في الجمع بينهما في الذهن حتى قالوا إن الضد أقرب خطورا بالبال مع الضد من الأمثال وصدرت الجملة بإن إعنناء بمضمونها وقد تصدر بها الأجوبة لأن السائل لكونه مترددا يناسبه التأكيد وتعريف الموصول إما للعهد والمراد من شافههم بالإنذار في عهده وهم مصرون على كفرهم أو للجنس كما في قوله تعالى كمثل الذي ينعق بما لا يسمع وكقول الشاعر : ويسعى إذا أبنى ليهدم صالحي وليس الذي يبني كمن شأنه الهدم فهو حينئذ عام خصه العقل بغير المصرين والأخبار بما ذكر قرينة عليه أو المخصص عود ضمير خاص عليه من الخبر لا الخبر نفسه وقد ذكر الأصوليون ثلاثة أقوال فيما إذا عاد ضمير خاص على العام فقيل يخصصه وقيل لا وقيل بالوقف ومثلوه بقوله تعالى والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء فإن الضمير في بعولتهن للرجعيات فقط وما ذكره بعض أجلة المفسرين أن المخصص هنا الخبر أورد عليه إن تعين المخبر عنه بمفهوم الخبر ينافي ما تقرر من أن المخبر عنه لا بد أن يكون متعينا عند المخاطب قبل ورود الخبر فلو توقف تعين المخبر عنه على الخبر لزم الدور والكفر بالضم مقابل الإيمان وأصله المأخوذ منه الكفر بالفتح مصدر بمعنى الستر يقال كفر يكفر من باب قتل وما في الصحاح من أنه من باب ضرب فالظاهر أنه غير صحيح وإن لم ينبه عليه في القاموس وشاع إستعماله في ستر النعمة خاصة وفي مقابل الإيمان لأن فيه ستر الحق ونعم الفيض المطلق وقد صعب على المتكلمين تعريف الكفر الشرعي الغير التبعي وأختلفوا في تعريفه على حسب إختلافهم في تعريف الإيمان إلا أن الذي عول عليه الشافعية

الصفحة 126