كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 1)

لما لم تكن زمانية يستوي إليها جميع الأزمنة إستواء جميع الأمكنة فالأنواع كل منها حاضر عنده في مرتبته وإختلاف التعبيرات بالنظر إلى المخاطب الزماني رعاية للحكمة في باب التفهيم وقيل غير ذلك مما يطول ذكره وقد ذكرنا في الفائدة الرابعة ما يفيدك ذكره هنا فتذكر وسواء أسم مصدر بمعنى الإستواء وهو لا يثني ولا يجمع وقد أستغنوا عن تثنيته بتثنية سي إلا شذوذا وكأنه في الأصل مصدر كما قاله الرضي ورفع على أنه خبران وما بعده مرتفع به على الفاعلية كأنه قيل إن الذين كفروا مستو عليهم إنذارك وعدمه أو خبر مبتدأ محذوف تقديره الأمر أن سواء ثم بين الأمرين بقوله سبحانه أأنذرتهم أم لم تنذرهم أو خبر لما بعده أي إنذارك وعدمه سيان وهو المشهور على ألسنة الطلبة في مثله وأورد عليه أمور الأول أن الفعل لا يسند إليه الثاني أنه مبطل لصدارة الإستفهام الثالث أن الهمزة و أم موضوعان لأحد الأمرين وكل ما يدل على الإستواء لا يسند إلا إلى متعدد فلذا يقال أستوى وجوده وعدمه ولا يقال أو عدمه الرابع أنه على تقدير كونه خبرا يلزم أن لا يصح تقديمه لإلتباس المبتدأ بالفاعل ويجاب أما عن الأول فبأنه من جنس الكلام المهجور فيه جانب اللفظ إلى جانب المعنى والعرب تميل في مواضع من كلامهم مع المعاني ميلا بينا ومن ذلك لا تأكل السمك وتشرب اللبن أي لا يمكن منك أكل السمك وشرب اللبن ولو أجرى على ظاهره لزم عطف الأسم المنصوب على الفعل بل المفرد على جملة لا محل لها ودعوى البيضاوي بيض الله تعالى غرة أحواله أنه أستعمل فيه اللفظ في جزء معناه وهو الحدث تجوزا فلذا صح الإخبار عنه كما يجوز الإخبار عما يراد به مجرد لفظه كضرب ماض مفتوح الباء على ما فيها لا تتأتى فيما إذا كان المعادلان أو أحدهما بعد همزة التسويةجملة أسمية كما في قوله تعالى : سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون ويدخل في الميل مع المعنى مع أنه لا يلزم عليه الخروج عن الحقيقة وقد نقل إبن جني عن أبي علي أنه قال : الجملة المركبة من المبتدأ والخبر تقع موقع الفعل المنصوب بأن إذا أنتصب وأنصرف القول به والرأي فيه إلى مذهب المصدر كقوله تعالى : هل لكم مما ملكت أيمانكم من شركاء فيما رزقناكم فأنتم فيه سواء وكقوله سبحانه وتعالى : أعنده علم الغيب فهو يرى ألا ترى أن الفاء جواب الإستفهام وهي تصرف الفعل بعدها إلى الإنتصاب بأن مضمرة والفعل المنصوب مصدر لا محالة حتى كأنه قال أعنده علم الغيب فرؤيته وهل بينكم شركة فأستواء وأما عن الثاني والثالث فبأن الهمزة و أم أنسلخا عن معنى الإستفهام عن أحد الأمرين ولما كانا مستويين في علم المستفهم جعلا مستويين في تعلق الحكم بكليهما ولهذا قيل تجوز بهما عن معنى الواو العاطفة الدالة على إجتماع متعاطفيها في نسبة ما من غير ملاحظة تقدم أو تأخر ثم إن مثل هذا المعنى وإن كان مرادا إلا أنه لا يلاحظ في عنوان الموضوع بعد السبك كما لا يلاحظ معنى العاطف فلا يقال في الترجمة هنا إلا الإنذار وعدمه سواء من غير نظر إلى التساوي حتى يقال إذا كان تقدير المبتدأ المتساويان يلغو حمل سواء عليه فيدفع بما يدفع وقد قال الإمام الآقسراي إن أنذرتهم إلخ إنتقل عن أن يكون المقصود أحدهما إلى أن يكون المراد كليهما وهذا معنى الإستواء الموجود فيه وأما الحكم بالإستوأء في عدم النفع فلم يحصل إلا من قوله سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم وذكر أنه ظفر بمثله عن أبي على الفارسي وكلام المولى الفناري يحم حول هذا الحمى وذهب بعض المحققين إلى أنهما في الأصل للإستفهام عن أحد الأمرين وهما مستويان في علم المستفهم وقد ذهب ذلك الإستوأء هنا إذ سلخ عنهما الإستفهام وبقى الإستواء في العلم وهو معنى قول من قال الهمزة و أم مجردتان لمعنى الإستواء فيكون الحاصل فيما نحن فيه المتساويان في علمك مستويان في عدم

الصفحة 128