كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 1)
الجدوى وهذا على ما فيه تكلف مستغنى عنه بما ذكرناه ومثله ما ذكر العاملي من أن تمام معناهما الإستواء والإستفهام معا فجردا عن معنى الإستفهام وصار المجرد الإستواء ولتكرر الحكم بالإستواء بمعنى واحد يحصل التأكيد كأنه قيل سواء الإنذار وعدمه سواء وهو بعيد عن ساحة التحقيق كما لا يخفى ويوهم قولهم بالتجريد أن هناك مجازا مرسلا أستعمل فيه الكل في جزئه والتحقيق إنه إما إستعارة أو مستعمل في لازم معناه ثم المشهور أنه لا يجوز العطف بعد سواء بأو إن كان هناك همزة التسوية حتى قال في المعنى : إنه من لحن الفقهاء وفي شرح الكتاب للسيرافي سواء إذا دخلت بعدها ألف الإستفهام لزمت أم كسواء على أقمت أم قعدت فإذا عطف بعدها أحد اسمين على آخر عطف بالواو لا غير نحو سواء عندي زيد وعمرو فإذا كان بعدها فعلان بغير إستفهام عطف أحدهما على الآخر بأو كقولك سواء علي قمت أو قعدت فإن كان بعدها مصدران مثل سواء علي قيامك وقعودك فلك العطف بالواو وبأو وإنما دخلت في الفعلين بغير إستفهام لما في ذلك من معنى المجازاة فتقدير المثال إن قمت أو قعدت فهما على سواء والظاهر من هذا بيان إستعمالات العرب لسواء ولم يحك في شيء من ذلك شذوذا فقراءة إبن محيصن من طريق الزعفراني سواء عليهم أنذرتهم أو لم تنذرهم شاذة رواية فقط لا إستعمالا كما يفهمه كلام إبن هشام فأفهم هذا المقام فقد غلط فيه أقوام بعد اقوام وأما عن الرابع فبأن النحاة قد صرحوا بتخصيص ذلك بالخبر الفعلي دون الصفة نحو زيد قام فلا يقدم لإلتباس المبتدأ بالفاعل حينئذ فإذا لم يمتنع في صريح الصفة فعدم إمتناعه هنا أولى على ما قيل وإنما عدل سبحانه عن المصدر فلم يأت به على الأصل لوجهين لفظي وهو حسن دخول الهمزة وأم لأنهما في الأصل للإستفهام وهو بالفعل أولى ومعنوي وهو إيهام التجدد نظرا لظاهر الصيغة وفيه إشارة إلى أنه صلى الله تعالى عليه وسلم أحدث ذلك وأوجده فأدى الأمانة وبلغ الراسلة وإنما لم يؤمنوا لسبق الشقاء ودرك القضاء لا لتقصير منه وحاشاه فهو وإن أفاد اليأس فيه تسلية له صلى الله تعالى عليه وسلم وعلى هنا بإعتبار أصل معناه لأن الإستواء يتعدى بعلى كقوله تعالى : أستوى على العرش وقيل بمعنى عند ففي المغنى على تجرد للظرفية وعلى ذلك أكثر المفسرين والقول بأنها هنا للمضرة كدعاء عليه ليس بشيء لأن سواء تستعمل مع علي مطلقا في قال مودتي دائمة سواء على أزرت أم لم تزر والإنذار التخويف مطلقا أو الإبلاغ وأكثر ما يستعمل في تخويف عذاب الله تعالى ويتعدى إلى إثنين كقوله تعالى : إنا أنذرناكم عذابا قريبا فقل أنذرتكم صاعقة فالمفعول الثاني هنا محذوف أي العذاب ظاهرا ومضمرا وأستحسن أن لا يقدر ليعم وفي البحر : الإنذار الإعلام مع التخويف في مدة تسع التحفظ من المخوف فإن لم تسع فهو إشعار وإخبار لا إنذار ولم يذكر سبحانه البشارة لأنها تفهم بطريق دلالة النص لأن الإنذار أوقع في القلب وأشد تأثيرا فإذا لم ينفع كانت البشارة بعدم النفع أولى وقيل لا محل للبشارة هنا لأن الكافر ليس اهلا لها وقوله عز من قائل لا يؤمنون يحتمل أن تكون مفسرة لإجمال ما قبلها مما فيه الإستواء والكفر وعدم نفع الإنذار في الماضي بحسب الظاهر مسكوت فيه عن الإستمرار ولا يؤمنون دال عليه ومبين له فلا حاجة إلى القول بأن هذا بالنظر إلى مفهوم اللفظ مع قطع النظر عن أنه إخبار عن المصرين وهي حينئذ لا محل لها من الإعراب كما هو شأن الجمل المفسرة وعند الشلوبين لها محل لأنها عطف بيان عنده ويحتمل أن تكون حالا مؤكدة لما قبلها وصاحب الحال ضمير عليهم أو أنذرتهم وليس هذا كزيد أبوك عطوفا لفقد ما يشترط في هذا النوع ههنا وأن
الصفحة 129
404