كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 1)

تكون بدلا إما بدل إشتمال لإشتمال عدم نفع ما مر على عدم الإيمان أو بدل كل لأنه عينه بحسب المآل أو خبرا بعد خبر أو خبر مبتدأ محذوف أي هم لا يؤمنون أو خبر إن والجملة قبلها إعتراض وفي التسهيل : الإعتراضية هي المفيدة تقوية وهي هنا كالعلة للحكم لدلالتها على قسوة قلوبهم وعدم تأثرها بالإنذار وهو مقتض لعدم الإيمان وحيث أن الموضوع دال على عدم الإيمان في الماضي والمحمول على إستمراره في المستقبل أندفع توهم عدم الفائدة في الإخبار وجعل الجملة دعائية بعيد وأبعد منه ما روى أن الوقف علىأم لم تنذر والإبتداء بهم لا يؤمنونعلى أنه مبتدأ وخبر بل ينبغي أن لا يلتفت إليه وقرأ الجحدري سواء بتخفيف الهمزة على لغة الحجاز فيجوز أنه أخلص الواو ويجوز أنه جعل الهمزة بين بين أي بين الهمزة والواو وعن الخليل أنه قرأ سوء عليهم بضم السين مع واو بعدها فهو عدول عن معنى المساواة إلى السب والقبح وعليه لا تعلق إعرابيا له بما بعده كما في البحر وقرأ الكوفيون وإبن ذكوان وهي لغة بني تميم أأنذرتهم بتحقيق الهمزتين وهو الأصل وأهل الحجاز لا يرون الجمع بينهما طلبا للتخفيف فقرأ الحرميان وأبو عمرو وهشام بتحقيق الأولى وتسهيل الثانية إلا أن أبا عمرو وقالون وإسماعيل بن جعفر عن نافع وهشام يدخلون بينهما ألفا وإبن كثير لا يدخل وروى تحقيقهما عن هشام مع إدخال ألف بينهما وهي قراءة إبن عباس وإبن أبي إسحاق وروى عن ورش كإبن كثير وكقالون إبدال الهمزة الثانية ألفا فيلتقي ساكنان على غير حدهما عند البصريين وزعم الزمخشري أن ذلك لحن وخروج عن كلام العرب من وجهين أحدهما الجمع بين ساكنين على غير حده الثاني أن طريق تخفيف الهمزة المتحركة المفتوح ما قبلها هو بالتسهيل بين بين لا بالقلب ألفا لأنه طريق الهمزة الساكنة وما قالوه مذهب البصريين والكوفيون أجازوا الجمع على غير الحد الذي أجازه البصريون وهذه القراءة من قبيل الأداء ورواية المصريين عن ورش وأهل بغداد يروون التسهيل بين بين كما هو القياس فلا يكون الطعن فيها طعنا فيما هو من السبع المتواتر إلا أن المعتزلي أساء الأدب في التعبير وقد أحتج بهذه الآية وأمثالها من قال بوقوع التكليف بالممتنع لذاته بناء على أن يراد بالموصول ناس بأعيانهم وحاصل الإستدلال أنه سبحانه وتعالى أخبر بأنهم لا يؤمنون وأمرهم بالإيمان وهو ممتنع إذ لو كان ممكنا لما لزم من فرض وقوعه محال لكنه لازم إذ لو آمنوا إنقلب خبره كذبا وشمل إيمانهم الإيمان بأنهم لا يؤمنون لكونه مما جاء به صلى الله تعالى عليه وسلم وإيمانهم بأنهم لا يؤمنون فرع إتصافهم بعدم الإيمان فيلزم إتصافهم بالإيمان وعدم الإيمان فيجتمع الضدان وكلا الأمرين من إنقلاب خبره تعالى كدبا وإجتماع الضدين محال وما يستلزم المحال محال وأجيب بأن إيمانهم ليس من المتنازع فيه لأنه أمر ممكن في نفسه وبإخباره سبحانه وتعالى بعدم الإيمان لا يخرج من الإمكان غايته أنه يصير ممتنعا بالغير وإستلزام وقوعه الكذب أو إجتماع الضدين بالنظر إلى ذلك لأن إخباره تعالى بوقوع الشيء أو عدم وقوعه لا ينفي القدرة عليه ولا يخرجه من الإمكان الذاتي لإمتناع الإنقلاب وإنما ينفي عدم وقوعه أو وقوعه فيصير ممتنعا بالغير واللازم للمكن أن لا يلزم من فرض وقوعه نظرا إلى ذاته محال وأما بالنظر إلى إمتناعه بالغير فقد يستلزم الممتنع بالذات كاستلزام عدم المعلول الأول عدم الواجب وقيل في بيان إستحالة إيمانهم بأنهم لا يؤمنون أنه تكليف بالنقيضين لأن التصديق في الأخبار لا يصدقونه في شيء يستلزم عدم تصديقهم في ذلك والتكليف بالشيء تكليف بلوازمه وقوبل بالمنع لا سيما اللوازم العدمية
وقيل لأن تصديقهم في أن لا يصدقوه ويستلزم أن لا يصدقوه وما يستلزم وجوده عدمه محال ورد بأنه يجوز أن يكون ذلك الإستلزام

الصفحة 130