كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 1)

لإمتناعه بالغير كما فيما نحن فيه وقيل لأن إذعان الشخص بخلاف ما يجد في نفسه محال وأعترض بأنه يجوز أن لا يخلق الله تعالى العلم بتصديقه فيصدقه في أن لا يصدقه نعم إنه خلاف العادة لكنه ليس من الممتنع بالذات كذا قيل ولا يخلو المقام بعد عن شيء وأي شيء والبحث طويل وإستيفاؤه هنا كالتكليف بما لا يطاق وسيأتيك إن شاء الله تعالى على أتم وجه
ثم فائدة الإنذار بعد العلم بأنه لا يثمر إستخراج سر ما سبق به العلم التابع للمعلوم من الطوع والإباء في المكلفين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل فإن الله تعالى لو أدخل إبتداء كلا داره التي سبق العلم بأنها داره لكان شأن المعذب منهم ما وصف الله تعالى بقوله : ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى فأرسل رسلا مبشرين ومنذرين ليستخرج ما في إستعدادهم من الطوع والإباء فيهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة فإن الذكرى تنفع المؤمنين وتقوم به الحجة على الآخرين إذ بعد الذكرى وتبليغ الرسالة تتحرك الدواعي للطوع والإباء بحسب الإستعداد الأزلي فيترتب عليه الفعل أو الترك بالمشيئة السابقة التابعة للعلم للمعلوم الثابت الأزلي فيترتب عليه النفع والضر من الثواب والعقاب وإنما قامت الحجة على الكافر لأن ما أمتنع من الإتيان به بعد بلوغ الدعوة وظهور المعجزة من الإيمان لو كان ممتنعا لذاته مطلقا لما وقع من أحد لكنه قد وقع فعلم أن عدم وقوعه منه كان عن إباء ناشيء من إستعداده الأزلي بإختياره السيء وإن كان إباؤه بخلق الله تعالى به فإن فعل الله تعالى تابع لمشيئته التابعة لعلمه التابع للمعلوم والمعلوم من حيث ثبوته الأزلي غير مجعول فتعلق العلم به على ما هو عليه في ثبوته الغير المجعول مما يقتضيه إستعداده الأزلي ثم الإرادة تعلقت بتخصيص ما سبق العلم به من مقتضى إستعداده الأزلي فأبرزته القدرة على طبق الإرادة قال تعالى : أعطى كل شيء خلقه فلهذا قال : قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين لكنه لم يشأ إذ لم يسبق به العلم لكونه كاشفا للمعلوم وما في إستعداده الأزلي فالمعلوم المستعد للهداية في نفسه كشفه عما هو عليه من قبوله لها والمستعد للغواية تعلق به على ما هو عليه من عدم قبوله لها فلم يشأ إلا ما سبق به العلم من مقتضيات الإستعداد فلم تبرز القدرة إلا ما شاء الله تعالى فصح أن الله الحجة البالغة سبحانه إذا نوزع لأن الله تعالى قد اعطى كل شيء خلقه وما يقتضيه إستعداده وما نقص منه شيئا ولهذا قال صلى الله تعالى عليه وسلم : فمن وجد خيرا فليحمد الله فإن الله متفضل بالإيجاد لا واجب عليه ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه لأنه ما أبرز قدرته بجوده ورحمته مما أقتضته الحكمة من الأمر الذي لا خير فيه له إلا لكونه مقتضى إستعداده فالحمد لله على كل حال ونعوذ به من أحوال أهل الزيغ والضلال وإنما قال سبحانه سواء عليهم ولم يقل عليك لأن الإنذار وعدمه ليسا سواء لديه صلى الله تعالى عليه وسلم لفضيلة الإنذار الواجب عليه على تركه وإذا أريد بالموصول ناس معينون على أنه تعريف عهدي كما مر كان فيه معجزة لإخباره بالغيب وهو موت أولئك على الكفر كما كان ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم إشارة إلى برهان لمي للحكم السابق كما أن سواء عليهم إلخ على تقدير كونه إعتراضا برهان إني فالختم والتغشية مسببان عن نفس الكفر وإقتراف المعاصي سببان للإستمرار على عدم الإيمان أو لإستواء الإنذار وعدمه فالقطع لأنه سؤال عن سبب الحكموالختم الوسم بطابع ونحوه والأثر الحاصل ويتجوز بذلك تارة في الإستيثاق من الشيء والمنع منه إعتبارا بما يحصل من المنع بالختم على الكتب والأبواب وتارة في تحصيل أثر عن أثر إعتبارا بانقش الحاصل وتارة يعتبر معه بلوغ الآخر ومنه ختمت القرآن والغشاوةعلى ما عليه السبعةبكسر الغين

الصفحة 131