كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 1)
المجمعة من غشاء إذا غطاه قال أبو علي : ولم يسمع منه فعل إلا يائي قالوا ومبدلة من الياء عنده أو يقال لعل له مادتين وفعالة عند الزجاج لما أشتمل على شيء كاللفافة ومنه أسماء الصناعات كالخياطة لإشتمالها على ما فيها وكذلك ما أستولى على شيء كالخلافة وعند الراغب : هي لما يفعل به الفعل كاللف في اللفافة فإن أستعملت في غيره فعلى التشبيه وبعضهم فرق بين ما فيه هاء التأنيث وبين ما ليس فيه فلأول أسم لما يفعل به الشيء كالآلة نحو حزام وإمام والثاني لما يشتمل على الشيء ويحيط به وحمل الظاهريون الختم والتغشية على حقيتهما وفوضوا الكيفية إلى علم من لا كيفية له سبحانه وروى عن مجاهد أنه قال : إذا أذنب العبد ضم من القلب هكذاوضم الخنصرثم إذا أذنب ضم هكذاوضم البنصر وهكذا إلى الإبهام ثم قال : وهذا هو الختم والطبع والرين وهو عندي غير معقول والذي ذهب إليه المحققون أن الختم أستعير من ضرب الخاتم على نحو الأواني لأحداث هيئة في القلب والسمع مانعة من نفوذ الحق إليهما كما يمنع نقش الخاتمتلك الظروفمن نفوذ ما هو بصدد الإنصباب فيها إستعارة محسوس لمعقول بجامع عقلي وهو الإشتمال على منع القابل عما من شأنه أن يقبله ثم أشتق من الختم ختم ففيه إستعارة تصريحية تبعية وأما الغشاوة فقد أستعيرت من معناها الأصلي لحالة في أبصارهم مقتضية لعدم إحتلائها الآيات والجامع ما ذكر فهناك إستعارة تصريحية أصلية أو تبعية إذا أولت الغشاوة بمشتق أو جعلت أسم آلة على ما قيل ويجوز أن يكون في الكلام إستعارة تمثيلية بأن يقال شبهت حال قلوبهم وأسماعهم وابصارهم مع الهيئة الحادثة فيها المانعة من الإستنفاع بها بحال أشياء معدة للإنتفاع بها في مصالح مهمة مع المنع من ذلك بالختم والتغطية ثم يستعار للمشبه اللفظ الدال على المشبه به فيكون كل واحد من طرفي التشبيه مركبا والجامع عدم الإنتفاع بما أعد له بسبب عروض مانع يمكن فيه كالمانع الأصلي وهو أمر عقلي منتزع من تلك العدة ثم إن إسناد الختم إليه عزوجل بإعتبار الخلق والذم والتشنيع الذي تشير إليه الآية بإعتبار كون ذلك مسببا عما كسبه الكفار من المعاصي كما يدل عليه قوله تعالى : بل طبع الله عليها بكفرهم وإلا أشكل التشنيع والذم على ما ليس فعلهم كذا قاله مفسرو أهل السنة عن آخرهم فيما أعلم والمعتزلة لما رأوا أن الآية يلزم منها أن يكون سبحانه مانعا عن قبول الحق وسماعه بالختم وهو قبيح يمتنع صدوره عنه تعالى على قاعدتهم ألتزموا للآية تأويلات ذكر الزمخشري جملة منها حتى قال : الشيطان هو الخاتم في الحقيقة أو الكافر إلا أن الله سبحانه وتعالى لما كان هو الذي أقدره أو مكنه أسند الختم إليه كما يسند إلى السبب نحوبني الأمير المدينة وناقة حلوب وأنا أقول : إن ماهيات الممكنات معلومة له سبحانه أزلا فهي متميزة في أنفسها تميزا ذاتيا غير مجعول لتوقف العلم بها على ذلك التميز وإن لها إستعدادات ذاتية غير مجعولة أيضا مختلفة 8الإقتضاءات والعلم الألهي متعلق بها كاشف لها على ما هي عليه في أنفسها من إختلاف إستعداداتها التي هي من مفاتيح الغيب التي لا يعلمها إلا هو وإختلاف مقتضيات تلك الإستعدادات فإذا تعلق العلم
الصفحة 132
404