كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 1)

الإلهي بها على ما هي عليه مما يقتضيه إستعدادها من إختيار أحد الطرفين الخير والشر تعلقت الإرادة الإلهية بهذا الذي إختاره العبد بمقتضى إستعداده فيصير مراده بعد تعلق الإرادة الإلهية مرادا لله تعالى فإختياره الأزلي بمقتضى إستعداده متبوع للعلم المتبوع للإرادة مراعاة للحكمة وأن إختياره فيما لا يزال تابع للإرادة الأزلية المتعلقة بإختياره لما أختاره فالعباد منساقون إلى أن يفعلوا ما يصدر عنهم بإختيارهم لا بالا كراه والجبر وليسوا مجبورين في إختيارهم الأزلي لآنه سابق الرتبة على تعلق العلم السابق على تعلق الإرادة والجبر تبع للإرادة التابعة للعلم التابع للمعلوم الذي هو هنا إختيارهم الأزلي فيمتنع أن يكون تابعا لما هو متأخر عنه بمراتب فما من شيء يبرزه الله تعالى بمقتضى الحكمة ويفيضه على الممكنات إلا وهو مطلوبها بلسان إستعدادها وما حرمها سبحانه شيئا من ذلك كما يشير إليه قوله تعالى : أعطى كل شيء خلقه أي الثابت له في الأزل مما يقتضيه إستعداده الغير المجعول وإن كانت الصور الوجودية الحادثة مجعولة وقوله تعالى : فألهمها فجورها وتقواها اي الثابتين لها في نفس الأمر والكل من حيث أنه خلقه حسن لكونه بارزا بمقتضى الحكمة من صانع مطلق لا حاكم عليه ولهذا قال عز شأنه أحسن كل شيء خلقه و ترى في خلق الرحمن من تفاوت أي من حيث أنه مضاف إليه ومفاض منه وإن تفاوت من جهة أخرى وأفترق عند إضافة بعضه إلى بعض فعلى هذا يكون الختم منه سبحانه وتعالى دليلا على سواء إستعدادهم الثابت في علمه الأزلي الغير المجعول بل هذا الختم الذي هو من مقتضيات الإستعداد لم يكن من الله تعالى إلا إيجاده وإظهار يقينه طبق ما علمه فيهم أزلا حيث لا جعل وما ظلمهم الله تعالى في إظهاره إذ من صفته سبحانه إفاضة الوجود على القوابل بحسب القابليات على ما تقتضيه الحكمة ولكن كانوا أنفسهم يظلمون حيث كانت مستعدة بذاتها لذلك فحينئذ يظهر أن إسناد الختم إليه تعالى بإعتبار الإيجاد حقيقة ويحسن الذم لهم به من حيث دلالته على سوء الإستعداد وقبح ما أنطوت عليه ذواتهم في ذلك الناد فالبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا وأما ما ذكره المفسرون من أن إسناد الختم إليه تعالى الخلق فمسلم لا كلام لنا فيه وأما إن الذم بإعتبار كون ذلك مسببا عما كسبه الكفار إلخ فنقول فيه : إن أرادوا بالكسب ما شاع عند الإشاعرة من مقارنة الفعل لقدرة العبد من غير تأثير لها فيه أصلا وإنما المؤثر هو الله تعالى فهو مع مخالفته لمعنى الكسب وكونه كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءا حتى إذا جاءه لم يجده شيئا لا يشفى عليلا ولا يروى غليلا إذ للخصم أن يقول اي معنى لذم العبد بشيء لا مدخل لقدرته فيه إلا كمدخل اليد الشلاء فيما فعلته الأيدي السليمة وحينئذ يتأتى ما قاله الصاحب بن عباد في هذا الباب : كيف يأمر الله تعالى العبد بالإيمان وقد منعه منه وينهاه عن الكفر وقد حمله عليه وكيف يصرفه عن الإيمان ثم يقول أنى يصرفون ويخلق فيهم الإفك ثم يقول أنى تؤفكون وأنشأ فيهم الكفر ثم يقول لم تكفرون وخلق فيهم لبس الحق بالباطل ثم يقول لم تلبسون الحق بالباطل وصدهم عن السبيل ثم يقول لم تصدون عن سبيل الله وحال بينهم وبين الإيمان ثم قال وماذا عليهم لو آمنوا وذهب بهم عن الرشد ثم قال وأين تذهبون وأضلهم عن الدين حتى أعرضوا ثم قال فما لهم عن التذكرة معرضين ! ! فإن أجابوا بأن لله أن يفعل ما يشاء ولا يتعرض للإعتراض عليه المعترضون لا يسأل عما يفعل وهم يسئلون قلنا لهم : هذه كلمة حق أريد بها باطل وروضة صدق ولكن ليس لكم منها حاصل لأن كونه تعالى لا يسأل عما يفعل ليس إلا لأنه حكيم لا يفعل ما عنه يسأل وإذا قلتم لا أثر للقدرة الحادثة في مقدورها كمالا أثر للعلم في معلومه فوجه مطالبة

الصفحة 133