كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 1)

العبد بأفعاله كوجه مطالبته بأن يثبت في نفسه ألوانا وإدراكات وهذا خروج عن حد الإعتدال إلى إلتزام الباطل والمحال وفيه إبطال الشرائع العظام ورد ما ورد عن النبيين عليهم الصلاة والسلام وإن أرادوا بالكسب فعل العبد إستقلالا ما يريده هو وإن لم يرده الله تعالى فهذا مذهب المعتزلة وفيه الخروج عما درج عليه سلف الأمة وإقتحام ورطات الضلال وسلوك مهامه الوبال مسا ولو قسمن على الغواني لما أمهرن إلا بالطلاق وإن أرادوا به تحصيل العبد بقدرته الحادثة حسب إستعداده الأزلي المؤثرة لا مستقلا بل بإذن الله تعالى ما تعلقت به من الأفعال الإختيارية مشيئته التابعة لمشيئة الله تعالى على ما أشرنا إليه فنعمت الإرادة وحبذا السلوك في هذه الجادة وسيأتي إن شاء الله تعالى بسطها وإقامة الأدلة على صحتها وإماطة الأذى عن طريقها إلا أن أشاعرتنا اليوم لا يشعرون وأنهم ليحسبون أنهم يحسنون صنعا ولبئس ما كانوا يصنعون ما في الديار أخو وجد نطارحه حديث نجد ولا خل نجاريه
وأما ذكره المعتزلة لا سيما علامتهم الزمخشري فليس أول عشواء خبطوها وفي مهواة من الاهواء أهبطوها ولكم نزلوا عن منصة الايمان بالنص إلى حضيض تأويله ابتغاء الفتنة واستفياء لما كتب عليهم من المحنة وطالما استوخموا من السنة المناهل العذاب ووردوا من حميم البدعة موارد العذاب والشبهة التي تدندن هنا حول الحمى أن أفعال العباد لو كانت مخلوقة لله تعالى لما نعاها على عباده ولا عاقبهم بها ولا قامت حجة الله تعالى عليهم وهي أوهى من بيوت العنكبوت وإنه لأوهن البيوت وقد علمت جوابها مما قدمناه لك وليكن على ما ذكر منك على أنا نرجع فنقول إن أسندوا الملازمة وكذلك يفعلون إلى قاعدة التحسين والتقبيح وقالوا معاقبة الانسان مثل بفعل غيره قبيحة في الشاهد لا سيما إذا كانت من الفاعل فيلزم طرد ذلك غائبا قيل ويقبح في الشاهد أيضا أن يمكن الانسان عبده من القبائح والفواحش بمرأى ومسمع ثم يعاقبه على ذلك مع القدرة على ردعه ورده من الاول عنها وأنتم تقولون إن القدرة التي بها يخلق العبد الفواحش لنفسه مخلوقة لله تعالى على علم منه عز و جل أن العبد يخلق بها لنفسه ذلك فهو بمثابة إعطاء سيف باتر لفاجر يعلم أنه يقطع به السبيل ويسبي به الحريم وذلك في الشاهد قبيح جزما فإن قالوا ثم حكمة استأثر الله تعالى بعلمها فرقت بين الغائب والشاهد فحسن من الغائب ذلك التمكين ولم يحسن في الشاهد قلنا على سبيل التنزيل والموافقة لبعض الناس ما المانع أن تكون تلك الأفعال مخلوقة لله تعالى ويعاقب العبد عليها لمصلحة وحكمة استأثر بها كما فرغتم منه الآن حذو القذة بالقذة على أن في كون الخاتم في الحقيقة هو الشيطان مما لا يقدم عليه حتى الشيطان ألا تسمعه كيف قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين فلا حول ولا قوة إلا بالله وليكن هذا المقدار كافيا في هذا المقام ولشحرور القلم بعد إن شاء الله تعالى على ككل بانه تغريد بأحسن مقام والقلوب جمع قلب وهو في الأصل مصدر سمى به الجسم الصنوبري المودع في التجويف الايسر من الصدر وهو مشرق اللطيفة الانسانية ويطلق على نفس اللطيفة النورانية الربانية العالمة التي هي مهبط الأنوار الصمدانية وبها يكون الانسان إنسانا وبها يستعد لاكتساب الاوامر واجتناب الزواجر وهي خلاصة تولدت من الروح الروحاني ويعبر عنها الحكيم بالنفس الناطقة ولكونها هدف سهام القهر واللطف ومظهر الجمال والجلال ومنشأ البسط والقبض ومبدأالمحو والصحو ومنبع الأخلاق المرضية والأحوال الردية وقلما تستقر على حال وتستمر على منوال سميت قلبا فهي متقلبة في أمره ومنقلبة

الصفحة 134