كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 1)
بقضاء الله وقدره وفي الحديث إن القلب كريشة بأرض فلاة تقلبها الرياح وقد قال الشاعر ... قد سمي القلب قلبا من تقلبه ... فاحذر على القلب من قلب وتحويل ... وتسمية الجسم المعروف قلبا إذا أمعنت النظر ليس إلا لتقلب هاتيك اللطيفة المشرقة عليه لأنه العضو الرئيس الذي هو منشأ الحرارة الغريزية الممدة للجسد كله ويكنى بصلاحه وفساده عن صلاح هاتيك اللطيفة وفسادها لما بينهما من التعلق الذي لا يعلم حقيقته إلا الله تعالى وكأنه لهذا قال صلى الله تعالى عليه وسلم ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله إلا وهي القلب وكثير من الناس ذهب إلى أن تلك المضغة هي محل العلم وقيل إنه في الدماغ وقيل إنه مشترك بينهما وبنى ذلك على إثبات الحواس الباطنة والكلام فيها مشهور ومن راجع وجد أنه أدرك أن بين الدماغ والقلب رابطة معنوية ومراجعة سرية لا ينكرها من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد لكن معرفة حقيقة ذلك متعززة كما هي متعذرة والإشارة إلى كنه ما هنالك على أرباب الحقائق وأصحاب الدقائق متعسرة ومن عرف نفسه فقد عرف ربه والعجز عن درك الادراك إدراك والسمع مصدر سمع سمعا سماعا ويطلق على قوة مودعة في العصب المفروش أو المبطل في الأذن تدرك بها الأصوات ويعبر به تارة عن نفس الأذن وأخرى عن الفعل نحو إنهم عن المسع لمعزولون والأبصار جمع بصر وهو في الأصل بمعنى إدراك العين وإحساسها ثم تجوز به عن القوة المودعة في ملتقى العصبتين المجوفتين الواصلتين من الدماغ إلى الحدقتين التي من شأنها إراك الألوان والأشكال بتفصيل معروف في محله وعن العين التي هي محله وشاع هذا حتى صار حقيقة في العرف لتبادره وهو المناسب للغشاوة لتعلقها بالأعيان ويناسب الختم ما يناسب الغشاوة وإنما قدم سبحانه الختم على القلوب هنا لأن الآية تقرير لعدم الايمان فناسب تقديم القلوب لانها محل الايمان والسمع والابصار طرق وآلات له وهذا بخلاف قوله تعالى وختم على سمعه وقلبه فانه مسوق لعدم المبالاة بالمواعظ ولذا جاءت الفاصلة أفلا تذكرون فكان المناسب هناك تقديم السمع وأعاد جل شأنه الجار لتكون أدل على شدة الختم في الموضعين فان ما يوضع في خزانة إذا ختمت خزانته وختمت داره كان أقوى من المنع عنه وأظهر في الاستقلال أن إعادة الجار تقتضي ملاحظة معنى الفعل المعدي به حتى كأنه ذكر مرتين ولذا قالوا في مررت بزيد وعمرو مرور واحد وفي مررت بزيد وبعمرو مروران والعطف وإن كان في قوة الاعادة لكنه ليس ظاهرا مثلها في الافادة لما فيه من الاحتمال ووحد السمع مع أنه متعدد في الواقع ومقتضى الانتظام بالسباق واللحاق أن يجري على نمطهما للاختصار والتفنن مع الاشارة إلى نكتة هي أن مدركاته نوع واحد ومدركاتهما مختلفة وكثيرا ما يعتبر البلغاء مثل ذلك وقيل إن وحدة اللفظ تدل على وحدة مسماة وهو الحاسة ووحدتها تدل على قلة مدركاتها في بادئ النظر فهناك دلالة التزام ويكفي مث ما ذكر في اللزوم عرفا ومنه يتنبه لوجه جمع القلوب كثرة الإبصار قلة وإن كان ذلك هو المعروف في استعمال الفقهاء في جميعها على أن الاسماع قلما قرع السمع ومنه قراءة ابن أبي عبلة في الشواذ وعلى أسماعهم واستشهد له بقوله
الصفحة 135
404