كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 1)

في النفس لا ترتب فيه كما هو قائم بنفس الحافظ ولا ترتب فيه وقد مر أن المراد به مجموع اللفظ النفسي والمعنى كما يقتضيه ظاهر التشبيه بالقائم بنفس الحافظ ولا شك أنه لا ترتب فيه أي لا تعاقب فيه في الوجود العلمي وحينئذ فقولهم نعم الترتب إنما يحصل في التلفظ معناه أن الترتب في المعنى النفسي الذي هو مجموع اللفظ النفسي والمعنى إنما يحصل في التلفظ الخارجي لضرورة عدم مساعدة الآلة فقوله : وهو الذي هو حادث أي الملفوظ بالتلفظ الخارجي الذي هو الصورة حادث لا اللفظ النفسي وتحمل الأدلة التي تدل على الحدوث على حدوثه أي الملفوظ بالتلفظ الخارجي وعلى هذا لا ورود للإعتراض أصلا ومنهم من أعترض أيضا بأنهم أشتركوا في المعجزة أن تكون فعل الله تعالى أو ما يقوم مقامه كالنزول فلا يكون القرآن اللفظي الذي هو معجزة قديما صفة له تعالى ولا يخفى أن المعجزة هو القرآن في مرتبة تنزله إلى الألفاظ الحقيقة العربية فكونه لفظا حقيقيا عربيا مجعول بالنص فيكون معجزة بلا شبهة والقديم على ما حقق هو القرآن اللفظي النفسي الذي هو مجموع اللفظ النفسي والمعنى وهذا واضح لمن ساعدته العناية وقد شنع على الشيخ الأشعري في هذا المقام أقوام تشابهت قلوبهم واتحدت أغراضهم وإن أختلفت أساليبهم وها أنا بحوله تعالى راد لإعتراضاتهم بعد نقلها غير هياب ولا وكل وإن أتسع علم أهلها فالبعوضة قد تدمي مقلة الأسد وفضل الله تعالى ليس مقصورا على أحد
فأقول قال تلميذ مولانا الدواني عفيف الدين الإيجي ما حاصله أن هذا الذي تدعيه : إلا شاعرة من أن للكلام معنى آخر يسمى النفسي باطل فإنا إذ قلنا زيد قائم فهناك أربعة أشياء الأول العبارة الصادرة عنه والثاني مدلول هذه العبارة وما وضع له هذه الألفاظ من المعاني المقصودة بها الثالث علمه بثبوت تلك النسبة وإنتفائها
الرابع ثبوت تلك النسبة وإنتفاؤها في الواقع والأخير أن ليسا كلاما إتفاقا والأول لا يمكن أن يكون كلام الله حقيقة على مذهبهم فبقى الثاني وكذا نقول في الأمر والنهي ههنا ثلاثة أمور الأول الإرادة والكراهة الحقيقية الثاني اللفظ الصادر عنه الثالث مفهوم لفظه ومعناه والأول ليس كلاما إتفاقا والثاني كذلك على مذهبهم فبقى الثالث وبه صرح أكثر محققيهم وكونه كلاما نفسيا ثابتا لله تعالى شأنه محكوما عليه بأحكام مختلفة باطل من وجه الأول أنه مخالف للعرف واللغة فإن الكلام فيهما ليس إلا المركب من الحروف الثاني أنه لا يوافق الشرع إذ قد ورد فيما لا يحصى كتابا وسنة أن الله تعالى ينادي عباده ولا ريب أن النداء لا يكون إلا بصوت بل قد صرح به في الأخبار الصحيحة وباب المجاز وإن لم يغلق بعد إلا أن حمل ما يزيد على نحو مائة ألف من الصرائح على خلاف معناه مما لا يقبله العقل السليم الثالث أن ما قالوه من كون هذا المعنى النفسي واحدا يخالف العقل فإنه لا شك أن مدلول اللفظ في الأمر يخالف مدلوله في النهي ومدلول الخبر يخالف مدلول الإنشاء بل مدلول أمر مخصوص غير مدلول أمر آخر وكذا في الخبرولا يرتاب عاقل أن مدلول اللفظ لا يمكن أن يكون غير القرآن وسائر الكتب السماوية فيلزم أن يكون كل واحد مشتملا على ما أشتمل عليه الآخر وليس كذلك وكيف يكون معنى واحد خبرا وإنشاء محتملا للتصديق والتكذيب وغير محتمل وهو جمع بين النفي والإثبات إنتهى
ولا يخفى أن مبنى جميع إعتراضاته على فهمه أن مرادهم بالمعنى النفسي هو مدلول اللفظ وحده أي المعنى المجرد عن مقارنة اللفظ مطلقا ولو حكميا وقد عرفت أنه ليس كذلك بل المراد به مجموع اللفظ النفسي والمعنى وهو الذي يدور

الصفحة 14