كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 1)
وقيل : خبر من مضى ومن يأتي إلى يوم القيامة والجملة صفة رسولا وقيل : في موضع الحال منه
ويعلمهم الكتاب بأن يفهمهم ألفاظه ويبين لهم كيفية أدائه ويوقفهم على حقائقه وأسراره
والظاهر أن مقصودهما من هذه الدعوة أن يكون الرسول صاحب كتاب يخرجهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم وقد أجاب سبحانه هذه الدعوة بالقرآن وكونه بخصوصه كان مدعوا به غير بين ولا مبين
والحكمة أي وضع الأشياء مواضها أو ما يزيل من القلوب وهج حب الدنيا أو الفقه في الدين أو السنة المبينة للكتاب أوالكتاب وكرر للتأكيد إعتناء بشأنه وقد يقال : المراد بها حقائق الكتاب ودقائقه وسائر ما أودع فيه ويكون تعليم الكتاب عبارة عن تفهيم ألفاظه وبيان كيفية أدائه وتعليم الحكمة الإيقاف على ما أودع فيه وفسرها بعضهم بما تكمل به النفوس من المعارف والأحكام فتشمل الحكمة النظرية والعملية قالوا : وبينها وبين ما في الكتاب عموم من وجه لإشتمال القرآن على القصص والمواعيد وكون بعض الأمور الذي يفيد كمال النفس علما وعملا غير مذكور في الكتاب وأنت تعلم أن هذا القول بعد سماع قوله تعالى : ما فرطنا في الكتاب من شيء وقوله تعالى : سبحانه وتبيانا لكل شيء مما لا ينبغي الإقدام عليه اللهم إلا أن تكون هذه النسبة بين ما في الكتاب الذي في الدعوة مع قطع النظر عما أجيبت به وبين الحكمة فتدبر ويزكيهم أي يطهرهم من أرجاس الشرك وأنجاس الشك وقاذورات المعاصي وهو إشارة إلى التخلية كما أن التعليم إشارة إلى التحلية ولعل تقديم الثاني على الأول لشرافته والقول بأن المراد يأخذ منهم الزكاة التي هي سبب لطهرتهم أو يشهد لهم بالتزكية والعدالة بعيد إنك أنت العزيز الحكيم 921 أي الغالب المحكم لما يريد فلك أن تخصص واحدا منهم بالرسالة الجامعة لهذه الصفات بإرادته من غير مخصص وحمل العزيز هنا على من لا مثل لهكما قاله إبن عباس أو المنتقم كما قاله الكلبيو الحكيم على العالم كما قيللا يخلو عن بعد
ومن يرغب عن ملة إبراهيم إنكار وإستبعاد لأن يكون في العقلاء من يرغب عن ملته وهي الحق الواضح غاية الوضوح أي لا يرغب عن ذلك أحد إلا من سفه نفسه أي جعلها مهانة ذليلة وأصل السفه الخفة ومنه زمام سفيه أي خفيف وسفه بالكسر كما قال المبرد وثعلب : متعد بنفسه و نفسه مفعول به وأما سفه بالضم فلازم ويشهد له ما جاء في الحديث الكبر أن تسفه الحق وتغمط الناس وقيل : إنه لازم أيضا وتعدى إلى المفعول لتضمنه معنى ما يتعدى إليه أي جهل نفسه لخفة عقله وعدم تفكره وهو قول الزجاج أو أهلكها وهو قول أبي عبيدة وقيل : إن النصب بنزع الخافض أي في نفسه فلا ينافي اللزوم وهو قول لبعض البصريين وقيل : على التمييز كما في قول نابغة الذبياني : ونأخذ بعده بذناب عيش أجب الظهر ليس له سنام وقيل : على التشبيه بالمفعول به وأعترض الجميع أبو حيان قائلا : إن التضمين والنصب بنزع الخافض لا ينقاسان وإن التشبيه بالمفعول به مخصوص عند الجمهور بالصفة كما قيل به في البيت وأن البصريين منعوا مجيء التمييز معرفة فالحق الذي لا ينبغي أن يتعدى القول بالتعدي و من إما موصولة أو موصوفة في محل الرفع على المختار بدلا من الضمير في يرغب لأنه إستثناء من غير موجب وسبب نزول الآية ما روى أن عبدالله