كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 1)
إبن سلام دعا إبني أخيه سلمة ومهاجرا إلى الإسلام فقال لهما : قد علمتما أن الله تعالى قال في لتوراة : إني باعث من ولد إسمعيل نبيا أسمه أحمد فمن آمن به فقد أهتدى ورشد ومن لم يؤمن به فهو ملعون فأسلم سلمة وأبي مهاجر فنزلت ولقد أصطفيناه في الدنيا أي أخترناه بالرسالة بتلك الملة وأجتبيناه من بين سائر الخلق وأصله إتخاذ صفوة الشيء أي خالصه وإنه في الآخرة لمن الصالحين 031 أي المشهود لهم بالثبات على الإستقامة واليخر والصلاح والجملة معطوفة على ما قبلها وذلك من حيث المعنى دليل مبين لكون الراغب عن ملة إبراهيم سفيها إذ الإصطفاء والعز في الدنيا غاية المطالب الدنيوية والصلاح جامع للكمالات الأخروية ولا مقصد للإنسان الغيرالسفيه سوى خير الدارين وأما من حيث اللفظ فيحتمل أن يكون حالا مقررة لجهة الإنكار واللام لام الإبتداء أي أيرغب عن ملته ومعه ما يوجب عكس ذلك وهو الظاهر لفظا لعدم الإحتياج إلى تقدير القسم وأرتضاه الرضى ويحتمل أن يكون عطفا على ما قبله أو إعتراضا بين المعطوفين واللام جواب القسم المقدر وهو الظاهر معنى لأن الأصل في الجمل الإستقلال ولافادة زيادة التأكيد المطلوب في المقام وألأشعار بأن المدعي لا يحتاج إلى البيان والمقصود مدحه عليه السلام وإيراد الجملة الأولى ماضوية لمضيها من وقت الأخبار والثانية أسمية لعدم تقييدها بالزمان لأن إنتظامه في زمرة صالحي أهل الآخرة أمر مستمر في الدارين لا أنه يحدث في الآخرة والتأكيد بأن واللام لما أن الأمور الأخروية خفية عند المخاطبين فحاجتها إلى التأكيد أشد من الأمور التي نشاهد آثارها وكلمة في متعلقة ب الصالحين على أنألفيه للتعريف لا موصولة ليلزم تقديم بعض الصلة عليها على أنه قد يغتفر في الظرف مالا يغتفر في غيره أو بمحذوف أي صالح أو اعني وجعله متعلقا ب أصطفيناه وفي الآية تقديم وتأخير أو بمحذوف حالا من المستكن في الوصف بعيد
إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين 131 ظرفل أصطفيناه والمعطوف ليس بأجنبي لأنه لتقدير المتعلق المعطوف تأكيده لأن أصطفاءه في الدنيا إنما هو للرسالة وما يتعلق بصلاح الآخرة فلا حاجة إلى أن يجعل إعتراضا أو حالا مقدرة كما قيل به أو تعليل له أو منصوب ب اذكر كأنه قيل : أذكر ذلك الوقت لتقف على أنه المصطفى الصالح وأنه ما نال ما نال إلا بالمبادرة والإنقياد إلى ما أمر به وإخلاص سره حين دعاه ربه وجوز جعله ظرفا ل قال وليس الأمر وما في جوابه على حقيقتهما بل هو تمثيل والمعنى أخطر بباله الدلائل المؤيدة إلى المعرفة وأستدل بها وأذعن بمدلولاتها إلا أنه سبحانه وتعالى عبر عن ذلك بالقولين تصويرا لسرعة الإنتقال بسرعة الإجابة فهو إشارة إلى إستدلاله عليه السلام بالكوكب والشمس والقمر وإطلاعه على أمارات الحدوث على ما يشير إليه كلام الحسن وإبن عباس من أن ذلك قبل النبوة وقبل البلوغ ومن ذهب إلى أنه بعد النبوة قال : المراد الأمر بالطاعة والإذعان لجزئيات الأحكام والإستقامة والثبات على التوحيد على حد فأعلم أنه لا إله إلا الله ولا يمكن الحمل على الحقيقة أعني إحداث الإسلام والإيمان لأن الأنبياء معصومون عن الكفر قبل النبوة وبعدها ولأنه لا يتصور الوحي والإستنباء قبل الإسلام نعم إذا حمل لإسلام على العمل بالجوارح لا على معنى الإيمان أمكن الحمل على الحقيقة كما قيل به وفي الإلتفات مع لتعرض لعنوان الربوبية والإضافة إليه عليه السلام إظهار لمزيد اللطف به والإعتناء بتربيته وإضافة الرب في الجواب إلى العاملين للإيذان بكمال قوة إسلامه حيث أتقن حين النظر شمول ربوبيته تعالى للعالمين قاطبة لا لنفسه فقط كما هو المأمور به ظاهرا