كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 1)

ووصى بها إبراهيم بنيه مدح له عليه السلام بتكميله غيره إثر مدحه بكماله في نفسه وفيه توكيد لوجود الرغبة في ملته والتوصية التقدم إلى الغير بفعل فيه صلاح وقربة سواء كان حالة الإحتضار أولا وسواء كان ذلك التقدم بالقول أو الدلالة وإن كان الشائع في العرف إستعمالها في القول المخصوص حالة الإحتضار وأصلها الوصل من قولهم أرض واصية أي متصلة النبات ويقال : وصاه إذا وصله وفصاه إذا فصله كأن الموصي يصل فعله بفعل الوصي والضمير في بها إما للملة أو لقوله أسلمت على تأويل الكلمة أو الجملة ويرجح الأول كون المرجع مذكورا صريحا وكذا ترك المضمر إلى المظهر وعطف يعقوب عليه فإن ذلك يدل على أنه شروع في كلام آخر لبيان تواصي الأنبياء بإستمساك الدين الحق الجامع لجميع أحكام الأصول والفروع ليتوارثوا الملة القويمة والشرع المستقيم نسلا بعد نسل وذكر يعقوب الدين في توصيته لبنيه وهو والملة أخوان ولو كان الضمير للثاني لكان الإسلام بدله ويؤيد الثاني كون الموصي به مطابقا في اللفظ ل أسلمت وقرب المعطوف عليه لأنه حينئذ يكون معطوفا على قال أسلمت أي ما أكتفى بالإمتثال بل ضم توصية بنيه بالسلام بخلاف التقدير الأول فإنه معطوف على من يرغب لأنه كما أشرنا إليه في معنى النفي رخص البنين لأنه عليهم أشفق وهم بقبول وصيته أجدر ولأن النفع بهم أكثر وقرأ نافع وإبن عامرأوصى ولا دلالة فيها على التكثير كالأولى الدالة عليه لصيغة التفعيل
ويعقوب عطف على إبراهيم ورفعه على الإبتداء وحذف الخبر أي يعقوب كذلك والجملة معطوفة على الجملة الفعلية وجعله فاعل الوصي مضمرا بعيد وقريء بالنصب فيكون عطفا على بنيه والمراد بهم أبناء الصلب وهو عليه الصلاة و السلام كان نافلة وإنما سمى يعقوب لأنه وعيصا كانا توأمين فتقدم عيص وخرج يعقوب على أثره آخذا بعقبه كذا روى عن إبن عباس ولا أظن صحته يابني على إضمار القول عند البصريين ويقدر بصيغة الأفراد على تقدير نصب يعقوب أي قال أو قائلا وبصيغة التثنية على تقدير الرفع ووقوع الجملة بعد القول مشروط بأن يكون المقصود مجرد الحكاية والكلام المحكي مشترك بين إبراهيم ويعقوب وإن كان المخاطبون في الحالين متغايرين وذهب الكوفيون إلى عدم الإضمار لأن التوصية لإشتمالها على معنى القول بل هي القول المخصوص كان حكمها حكمه فيجوز وقوع الجملة في حيز مفعولها وقرأ إبن مسعود رضي الله تعالى عنه : أن يا بني ولا حاجة حينئذ إلى تقدير القول عند البصريين بل لا يجوز ذلك عندهم على ما يشير إليه كلام بعض المحققين وبنو إبراهيم على ما في الإتقان إثنا عشر وهم إسمعيل وإسحق ومدين وزمزان وسرح ونقش ونقشان وأميم وكيسان وسورج ولوطان ونافس وبنو يعقوب ايضا كذلك وهم يوسف وروبيل وشمعون ولاوي ويهوذا وداني وتفتاني وكاد وأسبر وإيساجر ورايكون وبنيامين إن الله أصطفى لكم الدين أي جعل لكم الدين الذي هو صفوة الأديان بأن شرعه لكم ووفقكم للأخذ به والمراد به دين الإسلام الذي به الإخلاص لله تعالى والإنقياد له وليس المراد ما يتراءى من أن الله تعالى جعله صفوة الأديان لكم لأن هذا الدين صفوة في نفسه لا إختصاص له بأحد وليس عند الله تعالى غيره ومن هنا يعلم أن الإسلام يطلق على غير ديننا لكن العرف خصصه به وزعم بعضهم عدم الإطلاق وألف في ذلك رسالة تكلف بها غاية التكلف
فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون 231 نهى عن الإتصاف بخلاف حال الإسلام وقت الموت والمفهوم

الصفحة 389