كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 1)

من الآية فظاهرا النهي عن الموت على خلاف تلك الحال وليس بمقصود لأنه غير مقدور وإنما المقدور قيده فيعود النهي إليه كما سمعت لما أن الإمتناع عن الإتصاف بتلك الحال يستتبع الإمتناع عن الموت في تلك الحال فأما أن يقال أستعمل اللفظ الموضوع للأول في الثاني فيكون مجازا أو يقال استعمل اللفظ في معناه لينتقل منه إلى ملزومه فيكون كناية وقال الفاضل اليمني : إن هذا كناية بنفي الذات عن نفي الحال على عكس ما قيل في قوله تعالى : كيف تكفرون بالله من أنه كناية بنفي الحال عن نفي الذات وفيه أن نفي الذات إنما يصير كناية عن نفي جميع الصفات لا عن صفة معينة فأفهم والمراد من الأمر الذي يشير إليه ذلك النهي الثبات على الإسلام لأنه اللازم له والمقصود من التوصية ولأن أصل الإسلام كان حاصلا لهم وإنما أدخل حرف النفي على الفعل مع أنه ليس منهيا عنه للدلالة على أن موتهم لا على الإسلام موت لا خير فيه وأن حقه أن لا يحل بهم وأنه يجب أن يحذروه غايلا الحذر وذكر بعضهم أن الإسلام المأمور به هنا ما يكون بالقلب دون العمل بالجوارح لأن ذلك مما لايكاد يمكن عند الموت ولهذا ورد في الحديث اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان ولا يخفى ما فيه أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت الخطاب لجنس اليهود أو الموجودين في زمانه صلى الله تعالى عليه وسلم على ما يشير إليه سبب النزول فقد ذكر الواحدي أن الآية نزلت في اليهودي حين قالوا للنبي : ألست تعلم أن يعقوب لما مات أوصى بنيه باليهودة و أم إما منقطعة بمعنى بل وهمزة الإنكار ومعنى بل الإضراب عن الكلام الأول وهو بيان التوصية إلى توبيخ اليهود على إدعائهم اليهودية على يعقوب وأبنائه وفائدته الإنتقال من جملة إلى أخرى أهم منها أي ما كنتم حاضرين حين إحتضاره عليه الصلاة و السلام وسؤاله بنيه عن الدين فلم تدعون ما تدعون ! ولك أن تجعل الإستفهام للتقرير أي كانت أوئلكم حاضرين حين وصى بنيه عليه الصلاة و السلام بالإسلام والتوحيد وأنتم عالمون بذلك فما لكم تدعون عليه خلاف ما تعلمون ! فيكون قد نزل علمهم بشهادة أوائلهم منزلة الشهادة فخوطبوا بما خوطبوا وإما متصلة وفي الكلام حذفوالتقدير أكنتم غائبين أم كنتم شاهدين وليس الإستفهام على هذا على حقيقته للعلم بتحقق الأول وإنتفاء الثاني بل هو للألزام والتبكيت أي أي الأمرين كان فمدعاكم باطل أما على الأول فلأنه رجم بالغيب وأما على الثاني فلأنه خلاف المشهور وأعترض أبو حيان على هذا الوجه بأنا لا نعلم أحدا أجاز حذف الجملة المعطوف عليها في أم المتصلة وإنما سمع حذف أم مع المعطوف لأن الثواني تحتمل ما لا تحتمل الأوائل وقيل : الخطاب للمؤمنين ومعنى بل الإضراب عن الكلام الأول والأخذ فيما هو الأهم وهو التحريض على إتباعه بإثبات بعض معجزاته وهو الأخبار عن أحوال الأنبياء السابقين من غير سماع من أحد ولاقراءة من كتاب كأنه تعالى بعد ذكر ما تقدم التفت إلى مؤمني الأمة أما شهدتم ما جرى وأما علمتم ذلك بالوحي وإخبار الرسول فعليكم بإتباعه إلا أنه أكتفى بذكر مقاولة يعقوب وبنيه ليعلم عدم حضورهم حين توصية إبراهيم عليه الصلاة و السلام بطريق الأولى ولا يخفى أن هذا القائل لم يعتبر سبب النزول ولعله لما فيه من الضعف حتى قال الإمام السيوطي : لم أقف عليه والشهداءجمع شهيد أو شاهد بمعنى حاضر وحضر من باب قعد وقريء حضر بالكسر ومضارعه أيضا يحضر بالضم وهي لغة شاذة وقيل : إنها على التداخل إذ قال لبنيه بدل من إذ حضر بدل إشتمال وكلاهما مقصودان كما هو المقرر في إبدال الجمل إلا أن في البدل زيادة بيان ليست في المبدل منه ولو تعلقت إذ هنا ب قالوا لم ينتظم الكلام

الصفحة 390