كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 1)

ما تعبدون من بعدي أي أي شيء تعبدونه بعد موتي ما في محل رفع والعائد محذوف وكونه في محل نصب على المفعولية مفوت للتقوى المناسب لمقام : ويسأل بها عن كل شيء فإذا عرف خص العقلاء ب من إذا سئل عن تعينه فيجاب بما يفيده وإذا سأل عن وصفه قيل ما زيد أكاتب أم شاعر وفي السؤال عن حالهم بعد موته دليل على أن الغرض حثهم على ما كانوا عليه حال حياته من التوحيد والإسلام وأخذ الميثاق منهم عليه فليس الإستفهام حقيقيا وكان هذا بعد أن دخل عليه السلام مصر ورأى فيها من يعبد النار فخاف على ولده فحثهم على ما حثهم قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إستئناف وقع جوابا لسؤال نشأ عن حكاية السؤال وفي إضافة الإله إلى المتعدد إشارة إلى الإتفاق على وجوده وألوهيته وقدم إسمعيل في الذكر على إسحاق لكونه أسن منه وعده من آباء يعقوب مع أنه عمه تغليا للأكثر على الأقل أو لأنه شبه العم بالأب لإنخراطهما في سلك واحد وهو الإخوة فأطلق عليه لفظه ويؤيده ماأخرجه الشيخان عم الرجل صنو أبيه وحينئذ يكون المرادبآبائكما يطلق عليه اللفظ كيلا يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز والآية على حد ما أخرجه إبن أبي شيبة وغيره من قوله عليه الصلاة و السلام أحفظوني في الباس فإنه بقية آبائي وقرأ الحسنأبيكوهو إما مفرد وإسمعيل وإسحاق عطف نسق عليه وإبراهيم وحده عطف بيان أو جمع وسقطت نونه للإضافة كما في قوله : فلما تبين أصواتنا بكين وفديننا بالأبينا إلها واحدا بدل من إله آبائك والنكرة تبدل من المعرفة بشرط ان توصف كما في قوله تعالى بالناصية ناصية كاذبة والبصريون لا يشترطون فيها ذلك وفائدة الإبدال دفع توهم التعدد الناشيء من ذكر الإله مرتين أو نصب على المدح أو الحال الموطئة كما في البحر ونحن له مسلمون 331 أي مذعنون مقرون بالعبودية وقيل : خاضعون منقادون مستسلمون لنهيه وأمره قولا وعقدا وقيل : داخلون في الإسلام ثابتون عليه والجملة حال من الفاعل أو المفعول أو منهما لوجود ضميريهما أو إعتراضية محققة لمضمون ما سبق في آخر الكلام بلا كلام وقال أبو حيان : الأبلغ أن تكون معطوفة على نعبد فيكونوا قد أجابوا بشيئين وهو من باب الجواب المربي عن السؤال تلك أمة قد خلت الإشارة إلى إبراهيم عليه الصلاة و السلام وأولاده والامة أتت بمعان والمراد بها هنا الجماعة من أم بمعنى قصد وسميت كل جماعة يجمعهم أمر ما إما دين واحد أو زمان واحد أو مكان بذلك لأنهم يؤم بعضهم بعضا ويقصده والخل والمضي وأصله الإنفراد
لها ما كسبت ولكم ما كسبتم إستئناف أو بدل من قوله تعالى : خلت لأنها بمعنى لا تشاركونهم وهي كغير الوافية وهذه وافية بتمام المراد أو الأولى صفة أخرى لأمة أو حال من ضمير خلت والثانية جملة مبتدأة إذ لا رابط فيها ولا مقارنة في الزمان وفي الكلام مضاف محذوف بقرينة المقام أي لكل أجر عمله وتقديم المسند لقصر المسند إليه على المسند والمعنى أن إنتسابكم إليهم لا يوجب إنتفاعكم بأعمالهم وإنما تنتفعون بموافقتهم وإتباعهم كما قال صلى الله تعالى عليه وسلم : يامعشر قريش إن أولى اناس بالنبي المتقون فكونوا بسبيل من ذلك فأنظروا أن لا يلقاني الناس يحملون الأعمال وتلقوني بالدنيا فأصد عنكم بوجهي ولك أن تحمل الجملة الأولى على معنىلها ما كسبته لا يتخطاها إلى غيرها والثانية على معنى

الصفحة 391