كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 1)
ولكم ما كسبتموه لا ما كسبه غيرهم فيختلف القصران لإقتضاء المقام ذلك
ولا تسئلون عما كانوا يعملون 431 إن أجري السؤ العلى ظاهره فالجملة مقررة لمضمون ما قبلها وإن أريد به مسببه أعني الجزاء فهو تذييل لتتميم ما قبله والجملة مستأنفة أو معترضة والمراد تخييب المخاطبين وقطع أطماعهم من الإنتفاع بحسنات من مضى منهم وإنما أظل قال عمل إثبات الحكم بالطريق البرهاني في ضمن قضية كلية وحمل الزمخشري الآية على معنىلا تؤاخذون بسيئاتهم كما لا تثابون بحسناتهم وأعترض بأنه مما لا يليق بشأن التنزيل كيف لا وهم منزهون عن كسب السيئات فمن أين يتصور تحميلها على غيرهم حتى يتصدى لبيان إنتفائه وأنت تعلم أنه إذا كان المقصود سوق ذلك بطريق كلي برهاني لا يتوهم ما ذكر
هذا ومن الغريب حمل الإشارة على كل من إبراهيم وإسمعيل وإسحق وأن المنى كل واحد منهم أمة أي بمنزلتها في الشرف والبهاء قد خلت أي مضت ولستم مأمورين بمتابعتهم لها ما كسبت وهو ما أمرها الله تعالى به ولكم ما كسبتم مما يأمركم به سبحانه وتعالى ولا ينفعكم مكتسبهم لأنه ليس مقبولا منكم لأنه ليس في حقكم إنما ينفعكم ما يجب عليكم كسبه ولا تسألون عما كانوا يعملون هل عملتم به وإنما تسألون عما كان يعمل نبيكم الذي أمرتم بمتابعته فإن أعماله ما هو كسبكم المسئول عنه فدعوا أن هذا ما أمر به إبراهيم أو غيره وتمسكوا بما أمر به نبيكم وأعتبروا إضافة العمل إليه دونهم ولا يخفى أنه لو كانت هذه الآيات كلام هذا المفسر لأمكن حملها على هذا التفسير الذي لا فرع ولا أصل له لكنها كلام رب العالمين الذي يجل عن الحمل على مثل ذلك
ومن باب الإشارة والتأويل في الآيات السابقة إلى هنا وإذ أبتلى إبراهيم ربه بكلمات أي بمراتب الروحانيات كالقلب والسر والروح والخفاء والوحدة والأحوال والمقامات التي يعبر بها على تلك المراتب كالتسليم والتوكل والرضا وعلومها فأتمهن بالسلوك إلى الله تعالى وفي الله تعالى حتى الفناء فيه قال إني جاعلك للناس إماما بالبقاء بعد الفناء والرجوع إلى الخلق من الحق تؤمهم وتهديهم سلوك سبيلي ويقتدون بك فيهتدون قال ومن ذريتي قال لاينال عهدي الظالمين فلا يكونون خلفايي مع ظلمهم وظلمتهم برؤية الأغيار ومجاوزة الحدود وإذ جعلنا بيت القلب مرجعا للناس ومحل أمن وسلامة لهم إذا وصلوا إليه وسكنوا فيه من شر غوائل صفات النفس وفتك قتال القوى الطبيعية وإفسادها وتخييل شياطين الوهم والخيال وإغوائهم وأتخذوا من مقام إبراهيم الذي هو مقام الروح والخلة موطنا للصلاة الحقيقية التي هي المشاهدة والخلة الذوقية وعهدنا إلى إبراهيم وإسمعيل أمرناهما بتطهير بيت القلب من قاذورات أحاديث النفس ونجاسات وساوس الشيطان وأرجاس دواعي الهوى وأدناس صفات القوى للسالكين المشتاقين الذين يدورون حول القلب في سيرهم والواصلين إلى مقامه بالتوكل الذي هو توحيد الأفعال والخاضعين الذين بلغوا إلى مقام تجلي الصفات وكمال مرتبة الرضا الغائبين في الوحدة الفانين فيها وإذ قال إبراهيم رب أجعل هذا الصدر الذي هو حريم القلب بلدا آمنا من إستيلاء صفات النفس وإغتيال العدو اللعين وتخطف جن القوى البدنية وارزق أهله من ثمرات معارف الروح من وحد الله تعالى منهم وعلم المعاد إليه قال : ومن أحتجب أيضا من الدين يسكنون الصدر ولا يجاوزون حده بالترقي إلى مقام