كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 1)

العين لإحتجاجهم بالعلم الذي وعاؤه الصدر فأمتعه قليلا من المعاني العقلية والمعلومات الكلية النازلة إليهم من عالم الروح على حسب إستعدادهم ثم أضطره إلى عذاب نار الحرمان والحجاب وبئس المصير مصيرهم لتعذيبهم بنقصانهم وعدم تكميل نشأتهم وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت على الكيفية التي ذكرناها قبل وإسمعيل كذلك قائلين ربنا تقبل منا مجاهداتنا ومساعينا في السلوك إليك بإمداد التوفيق إنك أنت السميع لهواجس خواطرنا فيك العليم بنياتنا وأسرارنا ربنا وأجعلنا مسلمين لك لا تكلنا إلى أنفسنا ومن ذريتنا المنتمين إلينا أمة مسلمة لك وأرنا طرق الوصول إلى نفي ما سواك وتب علينا لنفنى فيك عن أنفسنا وفنائنا إنك أنت التواب الموفق للرجوع إليك الرحيم بمن عول دون السوى عليك ربنا وأبعث فيهم رسولا منهم وهو الحقيقة المحمدية يتلو عليهم آياتك الدالة عليك ويعلمهم كتاب العقل الجامع لصفاتك والحكمة لدالة على نفي غيرك ويزكيهم ويطهرهم عن دنس الشرك إنك أنت العزيز الغالب فأنى يظهر سواك المحكم لما ظهرت فيه فلا يرى إلا إياك ومن يرغب عن ملة إبراهيم وهي التوحيد الصرف إلا من أحتجب عن نور العقل بالكلية وبقى في ظلمة نفسه ولقد أصطفيناه فكان من المحبوبين المرادين بالسابقة الأزلية في عالم الملك وأنه في عالم الملكوت من أهل الإستقامة الصالح لتدبير النظام وتكميل النوع إذ قال له ربه أسلم أي وحد وأسلم لله تعالى ذاتك قال أسلمت لرب العالمين وفنيت فيه ووصى بكلمة التوحيد إبراهيم بنيه السالكين على يده وكذلك يعقوب يابني إن الله أصطفى لكم دينه الذي لا دين غيره عنده فلا تموتن بالموت الطبيعي وموت الجهل بل كونوا ميتين بأنفسكم أحياء بالله أبدا فيدرككم موت البدن على هذه الحالة تلك أمة قدخلت فلا تكونوا مقيدين بالتقليد البحت لهم فليس لأحد إلا ما كسب من العلم والعمل وألإعتقاد والسيرة فكونوا على بصيرة في أمركم وأطلبوا ما طلبوا لتنالوا ما نالوا والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ومن دق باب الكربم ولج ولج
قالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا الضمير الغائب لأهل الكتاب والجملة عطف على ما قبلها عطف القصة على القصة والمراد منها رد دعوتهم إلى دينهم الباطل إثر رد إدعائهم اليهودية على يعقوب عليه السلام و أو لتنويع المقال لا للتخيير بدليل أن كل واحد من الفريقين يكفر الآخر أي قال اليهود للمؤمنين : كونوا هودا وقالت النصارى لهم كونوا نصارى و تهتدوا جواب الأمر أي إن كنتم كذلك تهتدوا روى عن إبن عباس رضي الله تعالى عنهما أنها نزلت في رؤوس يهود المدينة كعب بن الأشرف ومالك بن الصيف ووهب بن يهوذا وأبي ياسر بن أحطب وفي نصارى أهل نجران وذلك أنهم خاصموا المسلمين في الدين كل فرقة تزعم أنها أحق بدين الله من غيرها فقالت اليهود : نبينا موسى أفضل الأنبياء : وكتابنا التوراة أفضل الكتب وديننا أفضل الأديان وكفرت بعيسى والإنجيل ومحمد والقرآن وقالت النصارى : نبينا عيسى أفضل الأنبياء وكتابنا الإنجيل أفضل الكتب وديننا أفضل الأديان وكفرت بمحمد والقرآن وقال كل واحد من الفريقين للمؤمنين : كونوا على ديننا فلا دين إلا ذلك في رواية إبن إسحاق وإبن جرير وغيرهما عنه أن عبدالله بن صوريا الأعور قال للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم : ما الهدى إلا ما نحن عليه فأتبعنا يامحمد تهتد وقالت النصارى : مثل ذلك فأنزل الله تعالى فيهم الآية قل خطاب للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم أي قل لأولئك القائلين على سبيل الرد عليهم

الصفحة 393