كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 1)
وتبيين ما هو الحق لديهم وإرشادهم إليه بل ملة إبراهيم أي لا نكون كما تقولون بل نكون ملة إبراهيم أي أهل ملته أو بل نتبع ملة إبراهيم والأول يقتضيه رعاية جانب لفظ ما تقدموأن أحتاج إلى حذف المضاف والثاني يقتضيه الميل إلى جانب المعنى إذ يؤل الأول إلى أتبعوا ملة اليهود أو النصارى مع عدم الإحتياج إلى التقدير وجوز أن يكون المعنى بل أتبعوا أنتم ملته أو كونوا أهل ملته وقيل : الأظهر بل نؤتي ملة إبراهيم ولم يظهر لي وجهه وقريء بل ملة بالرفع أي بل ملتنا أو امرنا ملته أو نحن ملته أي أهلها وقيل : بل الهداية أو تهدي ملة إبراهيم وهو كما ترى حنيفا أي مستقيما أو مائلا عن الباطل إلى الحق ويوصف به المتدين والدين وهو حال إما من المضاف بتأويل الدين او تشبيها له بفعيل بمعنى مفعول كما في قوله تعالى : إن رحمة الله قريب من المحسنين وهذا على قراءة النصب وتقدير نتبع ظاهر وإما على تقدير تكون عليها فلأن ملة فاعل الفعل المستفاد من الإضافة أي تكون ملة ثبتت لإبراهيم وعلى قراءة الرفع تكون الحال مؤكدة لوقوعها بعد جمل أسمية جزآها جامدان معرفتان مقررة لمضمونها لإشتهار ملته عليه الصلاة و السلام بذلك فالنظم على حد أنا حاتم جوادا أو من المضاف إليه بناءا على ما أرتضوه منأنه يجوز مجيء الحال منه في ثلاث صور : إذا كان المضاف مشتقا عاملا أو جزءا أو بمنزلة الجزء في صحة حذفه كما هنا فإنه يصح أتبعوا إبراهيم بمعنى أتبعوا ملته وقيل : إن الذي سوغ وقوع الحال من المضاف إليه كونه مفعولا لمعنى الفعل المستفاد من الإضافة أو اللام وإليه يشير كلام أبي البقاء ولعله أولى لإظراده في التقدير الاول وقيل : هو منصوب بتقدير أعني وما كان من المشركين 531 عطف على حنيفا على طبق حنفاء لله غير مشركين به فهو حال من المضاف إليه لا من المضاف إلا أن يقدروما كان دين المشركين وهو تكلف والمقصود التعريض بأهل الكتاب والعرب الذين يدعون إتباعه ويدينون بشرائع مخصوصة به من حج البيت والختان وغيرهما فإن في كل طائفة منهم شركاء فاليهود قالواعزير إبن الله والنصارى المسيح إبن الله والعرب عبدوا الأصنام وقالوا الملائكة بنات الله قولوا آمنا بالله خطاب للمؤمنين لا للكافرين كما قيللما فيه من الكلف والتكلف وبيان للإتباع المأمور به فهو بمنزلة بدل البعض من قوله سبحانه : بل ملة إبراهيم لأن الإتباع يشمل الإعتقاد والعمل وهذا بيان الإعتقاد أو بدل الإشتمال لما فيه من التفصيل الذي ليس في الأول وقيل : إستئناف كأنهم سألوا كيف الإتباع فأجيبوا بذلك وأمر أولا بصيغة الإفراد وثانيا بصيغة الجمع إشارة إلى أنه يكفي في الجواب قول الرسول من جانب كل المؤمنين بخلاف الإتباع فإنه لا بد فيه من قول كل واحد لأنه شرط الإيمان أو شطره قاله بعض المحققين والقول بأنه بمنزلة البيان والتأكيد للقول الأول ولذا ترك العطفلا يخلو عن شيء وقدم الإيمان بالله سبحانه لأنه أول الواجبات ولأنه بتقدم معرفته تصح معرفة النبوات والشرعيات
وما أنزل إلينا اي القرآن وهو وإن كان في الترتيب النزولي مؤخرا عن غيره لكنه في الترتيب الإيماني مقدم عليه لأنه سبب الإيمان بغيره لكونه مصدقا له ولذا قدمه
وما أنزل إلى إبراهيم وإسمعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط يعني الصحف وهي وإن نزلت على إبراهيم عليه الصلاة و السلام لكن لما كان ما عطف عليه متعبدين بتفاصيلها داخلين تحت أحكامها صح نسبة