كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 1)

كلمة كل أو مع النفي نص على ذلك أبو علي وغيره من أئمة العربية وهذا غير الأحد الذي هو أول العدد في قوله تعالى : قل هو الله أحد وليس كونه في معنى الجماعة من جهة كونه نكرة في سياق النفي على ما سبق إلى كثير من الأوهام ألا ترى أنه لا يستقيم لا نفرق بين رسول من الرسل إلا بتقدير عطف أي رسول ورسول و لستنك أحد من النساء ليس في معنىكأمرأة منهن إنتهى وأنتبعد التأمل تعلم أن ما ذكره العلامة لا يرد على ذلك البعض وإنما ترد عليه المخالفة في الإصالة وعدمها فقط ولعل الأمر فيها سهل على أن دعوى عدم تلك الإستقامة إلا بذلك التقدير غير مجمع عليه فقد ذكر في الإنتصاف أن النكرة الواقعة في سياق النفي تفيد العموم لفظا عموما شموليا حتى ينزل المفرد فيها منزلة الجمع في تناوله الآحاد مطابقة لا كما ظنه بعض الأصوليين من أن مدلولها بطريق المطابقة في النفي كمدلولها في الإثبات وجعل هذا التعدد والعموم وضعا هو المسوغ لدخول بين عليها هنا ومن الناس من جوز كون أحد في الآية بمعنى واحد وعمومه بدلي وصحة دخول بين عليه بإعتبار معطوف قد حذف لظهوره بين أحد منهم وغيره وفيه من الدلالة على تحقق التفريق بين كل فرد فرد منهم وبين من عداه كائنا من كان ما ليس في أن يقال : لا نفرق بينهم ولا يخفى ما فيه والجملة حال من الضمير في آمنا ونحن له مسلمون 631 أي خاضعون لله تعالى بالطاعة مذعنون بالعبودية وقيل : منقادون لأمره ونهيه ومن جعل الضمير المجرور لما تقدم ذكره من الأنبياء فقد أبعد والجملة حال أخرى أو عطف على آمنا
فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد أهتدوا متعلق بقوله سبحانه : قولوا آمنا إلخ أو بقوله عز شأنه : بل ملة إبراهيم إلخ وإن لمجرد الفرض والكلام من باب الإستدراج وإرخاء العنان مع الخصم حيث يراد تبكيته وهو مما تتراكض فيه خيول المناظرين فلا باس بحمل كلام الله تعالى عليه يعني نحن لا نقول : إننا على الحق وأنتم على الباطل ولكن إن حصلتم شيئا مساويا لما نحن عليه مما يجب الإيمان أو التدين به فقد أهتديتم ومقصودنا هدايتكم كيفما كانت والخصم إذا نظر بعين الإنصاف في هذا الكلام وتفكر فيه علم أن الحق ما عليه المسلمون لا غير إذ لا مثل لما آمنوا به وهو ذاته تعالى وكتبه المنزلة على أنبيائه ولا دين كدينهم ف آمنوا متعدية بالباء ومثل على ظاهرها وقل : آمنوا جار مجرى اللازم والباء إما للإستعانة والآلة والمعنى إن دخلوا في الإيمان بواسطة شهادة مثل شهادتكم قولا وإعتقادا فقد أهتدوا أو فإن تحرواالإيمان بطريق يهدي إلى الحق مثل طريقكم فإن وحدة المقصد لا تأبى تعدد الطرق كما قيل : الطرق إلى الله تعالى بعدد أنفاس الخلائق والمقام مقام تعيين الدين الحق لا مقام تعيين شخص الطريق الموصل إليه ليأتي هذا التوجيه وإما زائدة للتأيد و ما مصدرية وضمير به لله أو لقوله سبحانه : آمنا بالله إلخ بتأويل المذكور أو للقرآن أو لمحمد صلى الله تعالى عليه وسلم والمعنى فإن آمنوا بما ذكر مثل إيمانكم به وإما للملابسة أي فآمنوا متلبسين بمثل ما آمنتم متلبسين به أو فإن آمنوا إيمانا متلبسا بمثل ما آمنتم إيمانا متلبسا به من الإذعان والإخلاص وعدم التفريق بين الأنبياء عليهم السلام وقيل : المثل مقحم كما في قوله تعالى : وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله أي عليه ويشهد له قراءة أبي بالذي آمنتم به وقراءة إبن عباس بما أمنتم به وكان رضي الله تعالى عنه يقول : أقرءوا ذلك فليس لله تعالى مثل ولعل ذلك محمول على التفسير لا على أنه أنكر القراءة

الصفحة 396