كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 1)
المتواترةوخفي عليه معناها ومن الناس من قال : يمكن الإستغناء عن جميع ذلك بأن يقال : فإن آمن اليهود بمثل ما آمنتم كمؤمنيهم قبل التحريف فإنهم آمنوا بمثل ما آمن المؤمنون فإن فيما أوتي به النبيون في زمن محمد صلى الله تعالى عليه وسلم ما أنزل إليهولم يكن ذلك قبله إلا أن هذا التوجيه يقتضي إبقاء صيغة الماضي على معناها كما في قولهم : إن أكرمتني فقد أكرمتك فتأمل إنتهى وأنت تعلم أن المؤمن به لا يتصور فيه التعدد وإبقاى الكلام على ظاهره والإستغناء عن جميع ما ذكر يستدعي وجود ذلك التعدد المحال فماذا عسى ينفع هذا سوى تكثير القيل والقال وتوسيع دائرة النزاع والجدال فتدبر
وإن تولوا أي أعرضوا عن الإيمان المأمور به أو عن قولكم في جواب قولهم
فإنما هم في شقاق أي مخالفة لله تعالى قاله إبن عباسأو منازعة ومحاربةقاله إبن زيدأو عداوةقاله الحسنوأختلف في إشتقاق الشقاق فقيل : من الشق أي الجانب وقيل : من الشقة وقيل : مأخوذ من قولهم : شق العصا إذا أظهر العداوة والتنوين للتفخيم والجملة جواب الشرط إما على أن المراد مشاقتهم الحادثة بعد توليهم عن الإيمان واؤثرت الأسمية للدلالة على ثباتهم وأستقرارهم على ذلك وإما بتأويل فأعلموا
فسيكفيكهم الله تسلية له صلى الله تعالى عليه وسلم وتفريح للمؤمنين بوعى النصر والغلبة وضمان التأييد والإعزاز على أبلغ وجه للسين الدالة على تحقق الوقوع البتة أو للتذييل الآتي حيث أن السين في المشهور لا تدل على أكثر من التنفيس عقب ذكر ما يؤدي إلى الجدال والقتال والمراد سيكفيك كيدهم وشقاقهم لأن الكفاية لا تتعلق بالأعيان بل بالأفعال وتلوين الخطاب بتجريده للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم مع أنه سبحانه أنجز وعده الكريم بما هو كفاية للكل من قتل بني قريظة وسبيهم وإجلاء بني النضير لما أنه صلى الله تعالى عليه وسلم الأصل والعمدة في ذلك وهوسلك حبات أفئدة المؤمنين ومطمح نظر كيد الكافرين وللإيذان بأن القيام بأمور الحروب وتحمل المشاق ومقاساة الشدائد في مناهضة الأعداء من وظائف الرؤساء فنعمته تعالى في الكفاية والنصرة في حقه أتم وأكمل وهو السميع العليم 731 تذييل لما سبق من الوعد وتأكيد له أي هوالسميع لما تدعو به العليم بما في نيتك من إظهار دينه فيستجيب لك ويوصلك إلى مرادك أو وعيد للكفرة بمعنى يسمعما يبدون ويعلمما يخفون مما لا خير فيه وهو معاقبهم عليه وفيه أيضا تأكيد الوعد السابق فإن وعيد الكفرة وعد للمؤمنين صبغة الله الصبغة بالكسر فعلة منصبغ كالجلسة من جلس وهي الحالة التي يقع عليها الصبغ عبر بها عن التطهير بالإيمان بما ذكر على الوجه الذي فصل لأنه ظهر أثره عليهم ظهور الصبغ علىالمصبوغوت في قلوبهم تداخله فيه وصار حلية لهم فهناك إستعارة تحقيقية تصريحية والقرينة الإضافة والجامع ما ذكر وقيل : للمشاكلة التقديرية فإن النصارى كانوا يصبغون أولادهم بماء أصفر يسمونه المعمودية يزعمون أنه الماء الذي ولد فيه عيسى عليه الصلاة و السلام ويعتقدون أنه تطهير للمولود كالختان لغيرهم وقيل : هو ماء يقدس بما يتلى من الإنجيل ثم تغسل به الحاملات ويرد على هذا الوجه أن الكلام عام لليهود غير مختص بالنصارى اللهم إلا أن يعتبر أن ذلك الفعل كائن فيما بينهم في الجملة ونصبها على أنها مصدر مؤكد لقوله تعالى : آمنا وهي من المصادر المؤكدة لأنفسها فلا ينافي كونها للنوع والعامل فيها صبغنا كأنه قيل صبغنا الله صبغته وقدر المصدر مضافا إلى الفاعل لتحقق