كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 1)
شرط وجوب حذف عامله من كونه مؤكدا لمضمون الجملة إذ لو قدر منكرا لكان مؤكدا لمضمون أحد جزئيه أعني الفعل فقط نحو ضربت ضربا وقيل : إنها منصوبة بفعل الإغراء أي الزم واصبغة الله لا عليكم وإلا لوجب ذكره كما قيل وإليه ذهب الواحدي ولا يجب حينئذ إضمار العامل لأنه مختص في الإغراء بصورتي التكرار أو العطف كالعهد العهد وكالأهل والولد وذهب الأخفش والزجاج والكسائي وغيرهم إلى أنها بدل من ملة إبراهيم ومن أحسن من الله صبغة مبتدأ وخبر والإستفهام للإنكار وقوله تعالى : صبغة تمييز منقول من المبتدأ نحو زيد أحسن من عمرو وجها والتقدير وصبغته أحسن من صبغة الله تعالى كما يقدر وجه زيد أحسن من وجه عمرو والتفضيل جار بين الصبغتين لا بين فاعليهما أي لا صبغة أحسن من صبغته تعالى على معنى أنه أحسن من كل صبغة وحيث كان مدار التفضيل على تعميم الحسن للحقيقي والفرضي المبني على زعم الكفرة لم يلزم أن يكون في صبغة غيره تعالى حسن في الجملة والجملة معترضة مقررة لما في صبغة الله تعالى من التبجح والإبتهاج أو جارية مجرى التعليل للإغراء ونحن له عابدون 831 أي موحدون أو مطيعون متبعون ملة إبراهيم أو خاضعون مستكنون في إتباع تلك الملة وتقديم الجار لإفادة إختصاص العبادة له تعالى وتقديم المسند إليه لإفادة قصر ذلك الإختصاص عليهم وعدم تجاوزه إلى أهل الكتاب فيكون تعريضا لهم بالشرك أو عدم الإنقياد له تعالى بإتباع ملة إبراهيم والجملة عطف على آمنا وذلك يقتضي دخول صبغة الله في مفعول قولوا لئلا يلزم الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بالأجنبي وإيثار الجملة الأسمية للإشعار بالدوام ولمن نصب صبغة على الأغراى أو البدل أن يضمر قولوا قبل هذه الجملة معطوفا على ألزموا على تقدير الأغراء وإضمار القول سائغ شائع والقرينة السياق لأن ما قبله مقول المؤمنين وأن يضمر أتبعوا في بل ملة إبراهيم لا نتبع ويكون قولوا آمنا بدلا من أتبعوا بدل البعض لأن الإيمان داخل في إتباع ملة إبراهيم فلا يلزم الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه ولا بين البدل والمبدل منه بالأجنبي وما قيل : إنه يلزم الفصل ببدل الفعل بين المفعول والمبدل منه ففيه أن قولوا ليس بدلا من الفعل فقط بل الجملة بدل من الجملة فلا محذور وأما القول بأنه يمكن أن تجعل هذه الجملة حالا من لفظة الله في قوله سبحانه : ومن أحسن من الله صبغة أي صبغته بتطهير القلب أو الإرشاد أو حفظ الفطرة أحسن الأصباغ حال إخلاص العبادة له فليس بشيء كما لا يخفى قل أتحاجوننا تجريد الخطاب للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم لما أن المأمور به من الوظائف الخاصة به عليه الصلاة و السلام والهمزة للإنكار وقرأ زيد والحسن وغيرهما بإدغام النون أي تجادلونا
في الله أي في دينه وتدعون أن دينه الحق اليهودية والنصرانية وتبنون دخول الجنة والإهتداء عليهما وقيل : المراد في شأن الله تعالى وإصطفائه نبيا من العرب دونكم بناءا على أن الخطاب لأهل الكتاب وسوق النظم يقتضي أن تفسر المحاجة بما يختص بهم والمحاجة في الدين ليست كذلك والقرينة على التقييد قوله سبحانه قبل : وما أنزل إلينا وبعد ومن أظلم ممن كتم شهادة حيث أنه تعريض بكتمان أهل الكتاب شهادة الله سبحانه بنبوة محمد صلى الله تعالى عليه وسلموما روى في سبب النزول أن أهل الكتاب قالوا الأنبياء كلهم منا فلو كنت نبيا لكنت منا فنزلت ولا يخفى عليك أن المحاجة في الدين على ما ذكرنا مختصة بهم على أن ظاهر السوق يقتضي ذمهم بما صار ديدنا لهم وشنشنة فيهم حتى عرفوا فيه ومشركو العرب وإن حاجوا في الدين