كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 1)

على الأنبياء عليهم السلام وفائدة هذا الأسلوب مع أن العلم حاصل بثبوت الأمرين الإشارة إلى أن أحدهما كاف في الذم فكيف إذا أجتمعا كما تقول لمن أخظا تدبيرا ومقالا : أتدبيرك أم تقريرك وبهذا يندفع ما قاله أبو حيان من أن الإتصال يستدعي وقوع إحدى الجملتين والسؤال عن تعيين إحداهما وليس الأمر كذلك إد وقعتا معا وإما منقطعة مقدرة ببل والهمزة دالة على الإضراب والإنتقال من التوبيخ على المحاجة إلى التوبيخ على الإفتراء على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وقرأ غير إبن عامر وحمزة والكسائي وحفص أم يقولون بالياءويتعين كون أم حينئذ منقطعة لما فيها من الإضراب من الخطاب إلى الغيبة ولا يحسن في المتصلة أن يختلف الخطاب من مخاطب إلى غيره كما يحسن في المنقطعة ويكون الكلام إستئنافا غير داخل تحت الأمر بل وارد منه تعالى توبيخا لهم وإنكارا عليهم وحكى أبو جعفر الطبري عن بعض النحاة جواز الإتصال لأنك إذا قلت أتقوم يا زيد أم يقوم عمر وصح الإتصال وأعترض عليه إبن عطية بان المثال غير جيد لأن القائل فيه واحد والمخاطب واحد والقول في الآية من إثنين والمخاطب إثنان غير أن يتجه معادلة أم للهمزة على الحكم المعنوي كان معنى قل أتحاجوننا أي يحاجون يا محمد أم يقولون ولا يخفى أن القول بالإنقطاع إن لم يكن متعينا فلا أقل من أنه أولى
قل أنتم أعلم أم الله أي لستم أعلم بحال إبراهيم عليه السلام في بابا الدين بل الله تعالى أعلم بذلك وقد أخبر سبحانه بنفي اليهودية والنصرانية عنه وأحتج على إنتفائهما عنه بقوله : وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده وهؤلاء المعطوفون عليه أتباعه في الدين رفاقا فحالهم حاله فلم تدعون له ولهم ما نفى الله تعالى فما ذلك إلا جهل غال ولجاج محض ومنأظلم إنكار لأن يكون أحد اظلم ممن كتم شهادة ثابتة
عنده واصلة من الله إليه وهي شهادته تعالى لإبراهيم عليه السلام بالحنيفية والبراءة عن اليهودية والنصرانية حسبما تلى آنفا وجيء بالوصفين لتعليل الإنكار وتأكيده فإن ثبوت الشهادة عندهوكونها من جانب جناب العلي الأعلى عز شأنه من أقوى الدواعي إلى إقامتها وأشد الزواجر عن كتمانها وتقديم الأول مع أنه متأخر في الوجود لمراعاة طريق الترقي والمعنى لا أحد أظلم من أهل الكتاب حيث كتموا هذه الشهادة وأثبتوا نقيضها بما ذكر من الإفتراء والجملة يقرر ما أنكر عليهم من إدعاء اليهودية والنصرانية وتعليق الأظلمية بمطلق الكتمان للإيماء إلى أن مرتبة من يردها ويشهد بخلافها في الظلم خارجة عن دائرة البيان أو لاأحد أظلم منا لو كتمنا هذه الشهادة ولم نقمها في مقام المحاجة والجملة حينئذ تذييل مقرر ما أوقع في قوله تعالى : أأنتم أعلم أم الله من أنهم شاهدون بما شهد الله تعالى به مصدقونه بما أعلمهم وجعلها على هذا من تتمة قولوا آمنا لانه في معنى إظهار الشهادة وعلى الأول من تتمة قل أتحاجوننا لأنه في معنى كتمانها ظاهر التعسف ولا يخفى أن في الآية تعريضا بغاية أظلمية أهل الكتاب على نحو ما أشير إليه وفي إطلاق الشهادة مع أن المراد بها ما تقدم من الشهادة المعينة تعريض بكتمانهم شهادة الله تعالى لنبيه محمد صلى الله تعالى عليه وسلم في التوراة والإنجيل وفي رى الظمآن أنمنصلة أظلم والكلام على التقديم والتأخير كأنه قيل : ومن أظلم من الله ممن كتم شهادة حصلت عنده كقولك ومن أظلم من زيد من جملة الكاتمين للشهادة والمعنى لو كان إبراهيم وبنوه يهودا أو نصارى ثم أن الله تعالى كتم هذه الشهادة لم يكن أحد ممن يكتم الشهادة أظلم منه لكن لما استحال ذلك مع عدله وتنزيهه عما لا يليق علمنا أن الأمر ليس كذلك وقيل : إن من صلة كتم

الصفحة 400