كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 1)
يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم وهو معارض بما تقدم عنه أو محمول على أنه كان يجهر بها أحيانا لبيان أنه تقرأ فيها كما جهر عمر رضي الله تعالى عنه بالثناء للتعليم وكما شرع الجهر بالتكبير للإعلام وحتى مات هناك قيد للمنفى لا للنفي فلا يتنافيان على أنه روى عن بعض الحفاظ ليس حديث صريح في الجهر إلا وفي إسناده مقال وعن الدارقطني أنه صنف كتابا في الجهر فأقسم عليه بعض المالكية ليعرفه الصحيح فقال : لم يصح في الجهر حديث والقول بأن الرواية عن أنس ست متعارضة فتارة يروى عنه الجهر وأخرى الأخفاء للخوف من بني أمية المخالفين لعلي كرم الله تعالى وجهه إذ مذهبه الجهر لا يضرنا إذ يقدم عند التعارض الأقوى إسنادا وهو هنا ما يوافقنا إذ هو على شرط الشيخين وتهمة الراوي المخالف بالكذب على أنس أهون عندي من تهمة أنس صاحب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بالكذب على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ومقدمي أصحابه
ومن عجائب الرازي كيف يبدي إحتمال التهمة ويروى إعتراض أهل المدينة على سيد ملوك بني أمية بذلك اللفظ الشنيع والمحل الرفيع فهلا خافوا وسكتوا وصافوا والأعجب من هذا أنه ذكر ست حجج لإثبات الجهر هي أخفى من العدم الأولى أن البسملة من السورة فحكمها حكمها سرا وجهرا وكون البعض سريا والبعض جهريا مفقود ويرده ما علمته في الردود وبفرض تسليم أنها من السورة أي مانع من إسرار البعض والجهر بالبعض وقد فعله رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فأتبعوه ولعل السر فيه كالسر في الجهر والإخفاء في ركعات صلاة واحدة أو يقال : إن حال المنزل عليه القرآن كان خلوة أولا وجلوة ثانيا ناسب حاله حاله بل إذا تأملت قوله تعالى في الحديث القدسي الثابت عند أهل الله كنت كنزا مخفيا إلخ ظهر لك سر اعظم فرضى الله تعالى عن المجتهد الأقدم الثانية أنها ثناء وتعظيم فوجب الإعلان بها لقوله تعالى فأذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا ويرده أن غالب مشتملات الصلاة كذلك أفيجهر بها
الثالثة إن الجهر بذكر الله يدل عى ألإفتخار به وعدم المبالاة بمنكره وهو مستحسن عقلا فيكون كذلك شرعا ولا يخفى إلا ما فيه عيب ثم قال وهذه الحجة قوية في نفسي راسخة في عقلي لا تزول البتة بسبب كلمات المخالفين ويرده ما رد سابقه وقد يخفى الشريف ليس الخمول بعار
على أمريء ذي جلال فليلة القدر تخفي
وتلك خير الليالي وياليت شعري أكان تسبيحه الله تعالى في ركوعه وسجوده معيبا فيخفيه أو جيدا فيجهر به ويبديه ولا أظن بالرجل إلا خيرا فإن الحجة قوية في نفسه راسخة في عقله الرابعة ما أخرجه الشافعي عن أنس أن معاوية صلى بأهل المدينة ولم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم فأعترض عليه المهاجرون والأنصار فأعاد الحديث بمعناه ويرده معارضوه أو يقال لم يقرأ على ظاهره وعلموا ذلك ببعض القرائن وماراه كمن سمعا الخامسة ما روى البيهقي عن أبي هريرة كان رسول الله يجهر في الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم وهو المروى عن عمر وإبنه وإبن عباس وإبن الزبير وأما علي فقد تواتر عنه ومن أقتدى في دينه بعلي فقد أهتدى ويرده المعارض وبتقدير نفيه يقال أن الجهر كان أحيانا لغرض وفي الأخبار التي ذكرناها ما يعارض أيضا نسبته إلى عمر وعلي وإبن عباس وما زعم من تواتر نسبته إلى علي ممنوع عند أهل السنة نعم أدعته الشيعة فذهبوا إلى الجهر في السرية والجهرية ولو عمل أحد بجميع مايزعمون
الصفحة 46
404