كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 1)

صلى الله تعالى عليه وسلم مبتدأ وجود العالم عقلا ونفسا فبه بدء الوجود باطنا وبه ختم المقام ظاهرا في عالم التخطيط فقال لا رسو بعدي فالرحيم هو نبينا عليه الصلاة و السلام وبسم الله هو أبونا آدم عليه السلام وأعني في مقام إبتداء الأمر ونهايته وذلك أن آدم عليه السلام حامل الأسماء قال تعالى وعلم آدم الأسماء كلها ومحمد صلى الله تعالى عليه وسلم حامل معاني تلك الأسماء التي حملها آدم عليه السلام لك ذات العلوم من عالم الغيب ومنها لآدم الأسماء وهي الكلم قال صلى الله تعالى عليه وسلم أوتيت جوامع الكلم ومن أثنى على نفسه أمكن وأتم ممن أثنى عليه كيحيى وعيسى عليهما السلام ومن حصل له الذات فالأسماء تحت حكمه وليس كل من حصل إسما يكون المسمى محصلا عنده ولهذا فضلت الصحابة علينا رضوان الله تعالى عليهم فإنهم حصلوا الذات وحصلنا الأسماء ولما رأعينا الأسم مراعاتهم الذات ضوعف لنا الأجر فللعامل منا أجر خمسين ممن يعمل بعمل الصحابة لا من أعيانهم بل من أمثالهم والحسرة الغيبة التي لم تكن لهم فكان تضعيف على تضعيف فنحن الأخوان وهم الأصحاب وهو صلى الله تعالى عليه وسلم إلينا بالأشواق وما أفرحه بلقاء واحد منا وكيف لا يفرح وقد ورد عليه من كان بالأشواق إليه وأيضا وجدنا بين الله والرحمن من المناسبة ما ليس بينه وبين الرحيم فلهذا قدم الرحمن على الرحيم بيان ذلك أما أولا فلإقتران الرحمن بالجلالة في قوله تعالى : قل أدعوا الله أو أدعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى وقد يشعر هذا الإقتران بجعلهما للذات ولذلك أختار من أختار البدل على النعت وجعلوه إشارة إلى مقام الجمع المرموز إليه بما صح عند القوم من طريق الكشف أن الله تعالى خلق آدم على صورته والرحيم ليس كذلك وأما ثانيا فلأن في الله وفي الرحمن ألفين ألف الذات وألف العلم والأولى في كل خفية والثانية ظاهرة وإنما خفيت الأولى في الأول لرفع الإلتباس في الخط بين الله والإله وفي الثاني على ما عليه أهل الله في رسمه وهو أحد الرسمين عند أهل الرسوم لدلالة الصفات عليهما دلالة ضرورية من حيث قيام الصفة بالموصوف فخفيت الذات وتجلت للعالم الصفات فلم يعرفوا من الإله غيرها والجهل هنا كمال وذلك حقيقة العبودية
زدني بفرط الحب فيك تحيرا وأرحم حشا بلظى هواك تسعرا فالرحمن مشير إلى الذات وسائر الصفات فالألف الظاهرة واللام والراء إشارة إلى العلم والإرادة والقدرة والحاء والميم والنون إشارة إلى الكلام والسمع والبصر وشرط هذه الصفات الحياة ولايتحقق المشروط بدون الشرط فظهرت الصفات السبع بأسرها وخفيت الذات كما ترى وأدعى بعض العرفين أن الألف الخفية هنا ظهرت من حيث الجزئية من هذا اللفظ في الشيطان بناء على أخذه من شطن وزيادة الألف فيه للإشارة إلى عموم الرحمة الرحمن على العرش أستوى فللشيطان أيضا حصة منها ومنها وجوده وبقى سر لا يمكن كشفه ولا كذلك الرحيم إذ ليس فيه إلا ألف العلم ولما كان هذا الأسم مشيرا إلى سيدنا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم بإعتبار رتبته ظهرت فيه لكونه المرسل إلى الناس كافة فطلب التأييد فأعطيها فظهر بها وأما ثالثا فقد طال النزاع في تحقيق لفظ الرحمن كما طال في تحقيق لفظ الله حتى توهم أنه ليس بعربي لنفور العرب منه فإنهم لما قيل لهم أعبدواالله لم يقولوا وما الله ولما قيل لهم أسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن ولعل سبب ذلك توهمهم التعدد وأنهم خافوا أن يكون المعبود الذي يدلهم عليهم من جنسهم فأنكروه لذلك لا لأنه ليس بعربي وأختلف أيضا في الصرف وعدمه قال إبن الحاجب : النون والألف إذا كانا في اسم

الصفحة 64