كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 1)

من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد وعلى تفن وأصفيه بوصفه يفنى الزمان وفيه ما لم يوصف وإن أردت أن تمتحن ذهنك في بعض أسرارها فتأمل سر إفتتاحها وإختتامها بحرفين شفويين ومع كل ألف صورية متصلة بأول الأول وآخر الآخر وتحت الأول دائرة غيبية ظهرت في صورة الثاني وسر ما وقع فيها من أنواع التثليث أما أولا ففي مخارج الحروف فإنها ثلاثة الشفة واللسان والحلق في الباء واللام والهام وأما ثانيا ففي المحذوف من حروفها فإنها ثلاثة أيضا ألف الأسم وألف الله وألف الرحمن وأما ثالثا ففي المنطوق منها والمرسوم فإنه ثلاثة أنواع أيضا منطوق به مرسوم كالباء ومنطوق به غير مرسوم كألف الرحمن ومرسوم غير منطوق به كاللام منه مثلا وأما رابعا ففي المتحرك والساكن فتحرك لا يسكن كالباء وساكن لا يتحرك كالألف وقابل لهما كميم الرحيم وقفا ووصلا وأما خامسا ففي أنواع كلماتها الملفوظة والمقدرة فهي على رأي أسم وفعل وحرف وأما سادسا ففي أنواع الجر الذي فيها فهو جر بحرف وبإضافة وبتبعية على المشهور وأما سابعا ففي الأسماء الحسنى التي دبجتها فهي الله والرحمن والرحيم وأما ثامنا ففي العاملية والمعولية فكلمة عاملة غير معمولة ومعمولة غير عاملة وعاملة معمولة وأما تاسعا ففي الإتصال والإنفصال فمتصل بما بعده فقط وبما قبله فقط وبما بعده وقبله وفي كل واحد من هذه الثلاثيات أسرار تحير الأفكار وتبهر أولى الأبصار وأنظر لم أشتملت حروفها على الطبائع الأربع وتقدم في الظهور الهواء ولم كانت تسعة عشر ولم أعتنق اللام الألف وأتصلت الميم باللام والهاء بالراء والنون بها نطقا لا خطا ولم فتح ما قبل الألف حتى لم يتغير في موضع أصلا وتفكر في سر تربيع الألفاظ وسكون السين وتحرك الميم ونقطتي الياء ونقطة النون والباء والأمر وراءها يظنه أرباب الرسوم ونهاية ما ذكروه البحث عن المدلولات وتوسيع دائرة المقال بإبداء الإحتمالات وقد صرح السرميني بإبداء خمسة آلاف ألف وثلثمائة ألف وأحد وتسعين ألفا وثلثمائة وستين إحتمالا وزدت عليه من فضل الله تعالى حين سئلت عن ذلك بما يقرب أن يكون بمقدار ضرب هذا العدد بنفسه والدائرة أوسع إلا أن الواقع البعض ولقد خلوت ليلة بليلى هذه الكلمة وأوقدت مصباح ذلي في مشكاة حضرتها المكرمة وفرشت لها سرى وضممتها سحرا إلى سحري ونحري فكان ما كان مما لست أذكره فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر وأما الوجه الثاني فلتعليم العباد إذا بدءوا بأمر كيف يبدءون به ولهذا قال صلى الله تعالى عليه وسلم فيما رواه عنه أبو هريرة وأخرجه الحافظ عبدالقادر الرهاوي كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر والبال الحال والشأن فمعنى ذي بال شريف يحتفل به ويهتم كأنه شغل القلب وملكه حتى صار صاحبه وقيل شبه الأمر العظيم بذي قلب على سبيل الإستعارة المكنية والتخييلية وفي هذا الوصف فائدتان إحداهما رعاية تعظيم أسم الله تعالى لأن يبتديء به في الأمور المعتد بها والأخرى التيسير على الناس في محقرات الأمور كذا قالوه وعندي أن الأظهر جعل الوصف للتعميم كما في قوله تعالى : ولا طائر يطير بجناحيه أي كل أمر يخطر بالبال جليلا كان أو حقيرا لا يبدأ به إلخ وفي هذا غاية لعظمة الله تعالى وحث على التبري عن الحول والقوة إلا بالله وإشارة إلى أن قدر العباد غير مستقلة في الأفعال فحمل تبنة كحمل جبل إن لم يعن الله الملك المتعال وقد أمر سبحانه وتعالى بالإكثار من ذكره فقال تعالى : فأذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا

الصفحة 66