كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 1)
وحيث لم يجب ذلك كما هو معلوم يحصل للناس تيسير وقد سن صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بعض الأشياء ونفي الحرج نفي وجوبها في قوله عليه الصلاة و السلام ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى شثع نعله وما روى أن الله تعالى أوحى إلى موسى عليه السلام ياموسى سلني حتى ملح قدرك وشراك نعلك ما يدفع عنك توهم عدم رعاية التعظيم في ذكره تعالى عند محقرات الأمور وأي فرق عند المنصف بين ذكره سبحانه عندها وطلبها منه على أن العارف الجليل لا يقع بصره على شيء حقير ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فأرجع البصر هل ترى من فطور ثم أرجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير نعم التسمية على الحرام والمكروه مما لا ينبغي بل هي حرام في الحرام لا كفر على الصحيح مكروهة في المكروه وقيل مكروهة فيهما إن لم يقصد إستخفافا وإن قصده والعياذ بالله تعالى كفر مطلقا وهذا لا يضر فيما قلناه كما لا يخفى وقد أضطرب الحديث هنا فوقع في بعض الروايات لا يبدأ فيه بالحمد لله وفي بعضها بحمد الله وفي البعض أجذم وفي أخرى أقطع وفي خبر كل كلام وفي أثر يبدأ وفي آخر يفتتح وفي موضع وضع الذكر بدل الحمد إلى غير ذلك مما لا يخفى على المتتبع حتى قيل إنه مضطرب سندا ومتنا ولولا أنه في فضائل الأعمال ما أغتفر فيه ذلك على أنه تقوى بالمتابعة معنى أيضا والشهرة في دفع التعارض بين الروايات تغنى عن التعرض للإستيفاء وأستحسن فيه أن روايتي البسملة والحمد له تعارضتا فسقط قيداهما كما في مسألة التسبيع في الغسلات عند الشافعي ورجع للمعنى الأعم وهو إطلاق الذكر المراد منه إظهار صفة الكمال وقيل أن المراد في كل رواية الإبتداء بأحدهما أو بما يقوم مقامه ولو ذكرا آخر بقرينة تعبيره تارة بالبسملة وأخرى بالحمد له وطورا بغيرهما ولا يرد على كل أنا نرى كثيرا من الأمور يبدأ فيه بما ورد في الحديث مع أنه لا يتم ونرى كثيرا منها بالعكس لأنا نقول المراد من الحديث أن لا يكون معتبرا في الشرع فهو غير تام معنى وإن كان تاما حسا فبإسم الله تتم معاني الأشياء ومن مشكاة بسم الله الرحمن الرحيم تشرق على صفحات الأكوان أنوار البهاء ولو جليت سرا على أكمه غدا بصيرا ومن راووقها تسمع الصم ولو أن ركبا يمموا ترب أرضها وفي الركب ملسوع لما ضره السم ولو رسم الراقي حروف أسمها على جبين مصاب جن أبرأه الرسم وفوق لواء الجيش لو رقم أسمها لا سكر من تحت اللوا ذلك الرقم ولما أفتتح سبحانه وتعالى كتابه بالبسملة وهي نوع من الحمد ناسب أن يردفها بالحمد الكلي الجامع لجميع أفراده البالغ أقصى درجات الكمال فقال جل شأنه : الحمد لله رب العالمين وهو أول الفاتحة وآخر الدعوات الخاتمة كما قال تعالى وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين كان الحب دائرة بقلبي فأوله وآخره سواء وقد قيل للجنيد قدس سره ما النهاية فقال الرجوع إلى البداية وفيه أسرار شتى والحمد على المشهور هو الثناء باللسان على الجميل سواء تعلق بالفضائل أم بالفواضل قالوا ولا بد لتحققه من خمسة أمور محمود به ومحمود عليه وحامد ومحمود وما يدل على إتصاف المحمود بصفة فالأول صفة تظهر أتصاف الشيء بها على وجه مخصوص ويجب كونه صفة كمال ولو إعاء إذ المناط التعظيم ولا فرق عند الإمام الرازي قدس سره بين كونه ثبوتيا أو سلبيا متعديا أو غير متعد بل ولا بين كونه صادرا عن المحمود بإختياره أولا كما قرره العلامة الدوراني وصدر الأفاضل في حواشي التجريد
الصفحة 67
404