كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 1)

النبي لشفاعته أو لله تعالى لتفضله عليه بالأذن وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيقه والثالث وهو من يتحقق منه الحمد وشرطه أن يكون معظما بثنائه للمحمود ظاهرا وباطنا كما حققه الصدر نعم لا يلزم إعتقاد إتصاف المحمود بالجميل عند المحققين بل الشرط عدم إقترانه ثبوت تحقير فيدخل الوصف بما قطع بإنتفائه ولا يناقضه كما قال الدواني توجيه الشريف إشتراط التعظيمين بأنه إذا عرى عن مطابقة الإعتقاد لم يكن حمدا بل سخرية لأنه أراد بالإعتقاد لازمه وهو إنشاء التعظيم لا معناه الحقيقي فإن الحمد قد يكون إنشائيا ولا معنى لمطابقة الإعتقاد فيه لأن ما لا يتعلق به الإعتقاد لا يوصف حقيقة بمطابقته إذ المتبادر منها الإتحاد في الإيجاب والسلب أو ما يستلزمه أو يؤول إليه ولذا لا يوجد إلا في القضايا ولذا لا تسمع أحدا يقول أن التصور يطابقه بل لو قال قائل أن مفهوم أضرب يطابق الإعتقاد ضرب عنه صفحا وربما نسب لما يكره وحمل المطابقة على هذا أقرب من إلتزام أتصاف التصورات بالمطابقة واللامطابقة إذ ليس فيه سوى ذكر الملزوم وإرادة اللازم مع أن أهل العرف العام قد يطلقون الإعتقاد بهذا المعنى فيقولون فلان له إعتقاد في فلان ويريدون ما أردنا ولا بعد فيه لأن الناس يعدون الوصف بالجميل المعلوم الإنتفاء إذا كان كذلك مدحا وحمدا كما في كثير من القصائد وأما الجواب بأن الواصف يعتقد الإتصاف وبأن المراد معان مجازية وإتصاف المنعوت بها معتقد فيرده أن الأول خلاف البديهة والثاني خلاف الواقع والجواب عن الأول بأنه لو كان خلاف البديهة لم يقصد العقلاء إفادته ولم يكن اللفظ مستعملا في معناه الحقيقي وعن الثاني بأنه لو كان خلاف الواقع لما كان مستعملا في معناه المجازي فيلزم أن لا يكون ذلك الكلام حقيقة ولا مجازا كلام نشأ من ضيق الصدر إذ لا يلزم من عدم إعتقاد المدلول أن لا يكون الكلام مستعملا فيه فالأخبار الغير المعتقدة كقول السني الخفي حاله : العبد خالق لإفعاله مستعمل في حقيقته غير معتقد بل جميع الأكاذيب التي يعتمدها أهلها كذلك ثم إن المجيب حمل أن الأول خلاف البديهة على أن مضمون تلك الأخبار خلافها وفرع عليه أنه يلزم أن لا يقصد العقلاء إفادته ويرد عليه المنع فإن الأكاذيب التي يعتمدها العاقل قد تخالف البديهة مع قصد إفادتها لغرض ما كالتغليظ أو التنكيت أو الإمتحان أو للتخيل كما في كثير من القضايا حتى قال بعض المحققين : لا يلزم أن يكون ذلك الكلام حقيقة ولا مجازا وفيه تأمل الرابع المحمود وقد علمت ما يشترط فيه
الخامس وهو ذكر ما يدل على إتصاف المحمود بالمحمودية وقد اشتهر تقييده باللسان وأريد به جارحة النطق ولما كان الواقع كون آلة التكلم في الغالب هي تلك الجارحة خصوه بها فلو فقد إنسان لسانه فأثنى بحروفه الشفوية أو خلق النطق في بعض جوارحه فأثنى بهكما شوهد في مقطوع جميع اللسان فهو حمد وقضية التقييد أن لا يكون الصادر عمن لا جارحة له حمدا وقد قال تعالى : وإن من شيء إلا يسبح بحمده وأما حمد الله تعالى نفسه نفسه مثلا فذهب الأكثر إلى أنه إخبار بإستحقاق الحمد وأمر به أو مقول على ألسنة العباد أو مجاز عن إظهار الصفات الكمالية الذي هو الغاية القصوى من الحمد ومال السيد إلى الأخير وقال الدواني كون الحمد في حقه سبحانه مجازا بعيد عن قاعدة أهل الحق من إثبات الكلام له حقيقة والقول مساوق للكلام فالأظهر أن الحصر في اللسان إضافي لمقابلة الجنان والأركان والمراد الأمر الذي مصدره اللسان غالبا أو هو قيد غالبي يسوغ الإستعمال فيه واللفظ قد يكون موضوعا في أصل اللغة لعام ويشتهر في بعض مخصوص بحيث يصير فيه حقيقة عرفية وسبب الإشتهار إما كثرة تداول ذلك الفرد كما في الدابة وإما عدم الإطلاع على فرد آخر فيستعمله أهل اللسان في ذلك الفرد حتى إذا استمر ولم يطلع على إطلاقة على فرد آخر ظن أنه موضوع لخصومه كما في الميزان فإنه في الأصل موضوع لآلة الوزن ثم من لم يطلع إلا على ماله لسان

الصفحة 69