كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 1)
أقل الحمد لله ! فلو لم يفهموا رضي الله تعالى عنهم إطلاق الشكر على العمل لم ينتظروه وزاد بعضهم في أقسام الشكر رابعا وهو شكر الله تعالى بالله فلا يشكره حق شكره إلا هو ذكره صاحب التجريد وأنشد وشكري ذوي الإحسان بالقلب تارة وبالقول أخرى ثم بالعمل الأثنى وشكري لربي لا بقلبي وطاعتي ولا بلساني بل به شكرنا عنا والذي أطبق عليه التثليث وعلى كل حال بينه وبين الحمد عموم وخصوص من وجه والحمد أقوى شعبة لأن حقيقته إشاعة النعمة والكشف عنها كما أن كفر أنها إخفاؤها وسترها وتلك بالقول أتم لأن الإعتقاد أمر خفي في نفسه وعمل الجوارح وإن كان ظاهرا إلا أنه يحتمل خلاف ما قصد به وكم فرق بين حمدت الله وشكرته ومجدته وعظمته وبين أفعال العبادة وهي كلها موافقة للعادة ولسان الحال أنطق من لسان المقال أمر أدعائي كما هو المعروف في أمثاله ولهذا قال صلى الله تعالى عليه وسلم فيما رواه إبن عمر رضي الله تعالى عنهما الحمد رأس الشكر ما شكر الله تعالى عبد لا يحمده وهو وإن كان فيه إنقطاع إلا أن له شاهدا يتقوى به ؤإن كان مثله فحيث كان النطق يجلي كل مشتبه وكان الحمد أظهر الأنواع واشهرها حتى إذا فقد كان ما عداه بمنزلة العدم شبهه صلى الله تعالى عليه وسلم بالرأس الذي هو أظهر الأعضاء وأعلاها والأصل لها والعمدة في بقائها وكأنه لهذا أتى به الرب سبحانه ليكون الرأس للرئيس ويفتتح النفيس بالنفيس أو لأنه لو قال جل شأنه الشكر لله كان ثناء عليه تعالى بسبب إنعام وصل إلى ذلك القائل والحمد لله ليس كذلك فهو أعلى كعبا وأظهر عبودية ويمكن أن يقال إن الشكر على الإعطاء وهو متناه والحمد يكون على المنع وهو غير متناه فالإبتداء بشكر دفع البلاء الذي لا نهاية له على جانب من الحسن لا نهاية له ودفع الضر أهم من جلب النفع فتقديمه أحرى وأيضا مورد الحمد في المشهور خاص ومتعلقه عام والشكر بالعكس مورد أو متعلقا ففي إيراده دونه إشارة قدسية ونكتة على دوي الكثرة خفية وإلى الله ترجع الأمور وكأنه لمراعاة هذه الإشارة لم يأت بالتسبيح مع أنه مقدم على الحميد إذ يقال سبحان الله والحمد لله على أن التسبيح داخل في التحميد دون العكس فإن الأول يدل على كونه سبحانه وتعالى مبرأ في ذاته وصفاته عن النقائص والثاني يشير إلى كونه محسنا إلى العباد ولا يكون محسنا إليهم إلا إذا كان عالما قادرا غنيا ليعلم مواقع الحاجات فيقدر على تحصيل ما يحتاجون إليه ولا يشغله حاحة نفسه عن حاجة غيره وإن أبيتولا أظن قلنا كل تسبيح حمد وليس كل حمد تسبيحا لأن التسبيح يكون بالصفات السلبية فحسب والحمد بها والثبوتية على ما سلف فهو أعلم منه بذلك الإعتبار فأفتتح به لأنه لجمعيته وشموله أوفق بحال القرآن وتقديم التسبيح هناك لغرض آخر ولكل مقام مقال والتعريف هنا للجنس ومعناه الإشارة إلى ما يعرفه كل أحد من أن الحمد ما هو مثله في قول لبيد يصف العير وأتنه : وأرسلها العراك ولم يذدها ولم يشفق على نفض الدخال
الصفحة 71
404