كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 1)
وعليه جمع منهم الزمخشري حتى قال والإستغراق الذي يتوهمه كثير من الناس وهم وقد صار هذا معترك الإفهام ومزدحم أفكار العلماء الأعلام فقيل : إنه مبني على مسألة خلق الأعمال فإن أفعال العباد لما كانت مخلوقة لهم عند المعتزلة كانت المحامد عليها راجعة إليهم فلا يصح تخصيص المحاد كلها به تعالى ورد بأن إختصاص الجنس يستلزم إختصاص أفراده أيضا إذ لو وجد فرد منه لغيره ثبت الجنس له في ضمنه وصح هذا عندهم لأن الأفعال الحسنة التي يستحق بها الحمد إنما هي بأقدار الله تعالى وتمكينه فبهذا الإعتبار يرجع الأمر إليه كله وأما حمد غيره فإعتداد بأن النعمة جرت على يده وقيل أنه جعل الجنس في المقام الخطابي منصرفا إلى الكامل كأنه كل الحقيقة ورد بأنه يجوز في الإستغراق أيضا بأن يجعل ما عدا محاده كالعدم فلا فرق بين إختصاص الجنس والإستغراق في منافاتهما ظاهرا لمذهبه ودفعهما بالعناية وقيل مبناه على أن المصادر نائبة مناب الأفعال وهي لا تعدو دلالتها عن الحقيقة إلى الإستغراق ورد بأن ذلك لا ينافي قصد الإستغراق بمعونة القرائن وقيل إنما أختاره بناء على أنه المتبادر الشائع لا سيما في المصادر وعند خفاء القرائن ورد بأن المحلى بلام الجنس في المقامات الخطابية يتبادر منه الإستغراق وهو الشائع هناك مطلقا وأي مقام أولى بملاحظة الشمول والإستغراق من مقام تخصيص الحمد به سبحانه تعظيما فقرينة الإستغراق كنار على علم فالحق أن سبب الإختيار هو أن إختصاص الجنس مستفاد من جوهر الكلام ومستلزم لإختصاص جميع الأفراد فلا حاجة في تأدية المقصود من إثبات الحمد له تعالى وإنتفائه عن غيره إلى أن يلاحظ بمعونة الأمور الخارجية بل نقول على ما أختاره يكون إختصاص الأفراد بطريق برهاني فيكون أقوى من إثباته إبتداء وفيه أن فهم إختصاص الجنس من جوهر الكلام يدل على سرعته وهو معنى التبادر وقد رده وأيضا إذا كان الإختصاص بطريق برهاني فلا شبهة في خفائه فأين النار وأين العلم ! وقيل غير ذلك ولا يبعد أن يقال أن إختيار الزمخشري كون التعريف للجنس وكون القول بالإستغراق وهم لا يبعد أن يكون رعاية لنزعة إعتزالية وأن يكون لنكتة عربية لإنه جعل أصل المعنى نحمد الله حمدا وزعم أن إياك نعبد وإياك نستعين بيان لحمدهم كأنه قيل كيف تحمدوني فقيل إياك نعبد ثم سئل وأجاب فقيل في توجيه ذلك أنه لما كان معناه نحمد الله حمدا كان إخبارا عن ثبوت حمد غير معين من المتكلم له تعالى على أن المصدر للعدد فاتجه أن يقال كيف تحمدونه أي بينوا كيفية حمدكم فإنها غير معلومة فبين بقوله تعالى إياك نعبد إلخ أي نقول هذه الكلمات ونحمده بهذا الحمد فورد السؤال عن التعريف لأن المناسب للإبهام ثم البيان التنكير وأجاب أنه لتعريف الجنس من حيث وجوده في فرد غير معين ولذا بين وقيل لما كان المعنى نحمد حمدا كان المصدر للتأكيد فيكون دالا على الحقيقة من غير دلالة على الفردية والسؤال المقدر عن كيفية صدور تلك الحقيقة والجواب أنا نحمد حمدا مقارنا لفعل الجوارح وفعل القلب ولا نقتصر على مجرد القول ثم أورد بانه لإفادة هذا المصدر المنكر فما فائدة التعريف فأجاب بأنه تعريف للجنس للإشارة إلى الماهية المعلومة للمخاطب من حيث هي وعلى هذين التوجيهين يكون إختياره الجنس ومنعه الإستغراق لرعاية مذهبه والإختصاص على الأول إختصاص الفرد وعلى الثاني إختصاص الجنس بإعتبار الكمال ولا يخفى سقوط إعتراض السعد حينئذ بأن الإختصاصين متلازمان وكل منهما مخالف لمذهبه ظاهرا موافق له وتأويلا فلا يكون رعاية المذهب موجبا لإختيار الجنس دون الإستغراق ولا يرد ما أورد السيد على الثاني من أنه كما يجوز الحمل على الجنس بإعتبار الكمال على مذهبه يجوز الحمل على الإستغراق بإعتبار تنزيل محاد غيره منزلة العدم لأن فيه تطويل المسافة والإلتجاء إلى معونة المقام من غير حاجة وقيل حاصل الجواب عن كيفية صدور تلك
الصفحة 72
404