كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 1)

الحقيقة بتخصيص العبادة المشتملة على الحمد وغيره لأن إنضمام غيره معه نوع بيان لكيفيته أي حال حمدنا أنا نجمعه بسائر عبادات الجوارح والإستعانة في المهمات ونخص مجموعها بك وتقدير السؤال والجواب بحاله وحينئذ لا يصح أن يكون الإختيار للرعاية لأن الإختصاصين متلازمان بل لأن الحمد مصدر ساد مسد الفعل وهو لا يدل إلا على الحقيقة فكذا ما ينوب منابه وإن كان معرفة ليصح بيانه بإياك نعبد والحمل على الإستغراق يبطل النيابة إذ يصير الكلام مسوقا لبيان العموم ولا يصح البيان وهذا الإختيار مستفاد من جعل إياك نعبد بيانا لحمدهم ولعل الذي دعاه إليه ترك العاطف فظن أنه لذلك لا يكون إلا بيانا وهو من التعكيس لأن جعل الصدر متبوعا للعجز أولى من العكس فالمحققون المحقون على تعميم الحمد وأن الفصل لأن الكلام الأول جار على المدح للغائب بسبب إستحقاقه كل الحمد والثاني جار على الحكاية عن نفس الحامد وبيان أحواله بين يدي الباطن الظاهر والأول الآخر فترك العطف للتفرقة بين الحالتين لا للبيان ويدل على ذلك أن أحسن الإلتفات أن يكون النقل من أحدى الصيغتين إلى الأخرى في سياق واحد لمعلوم واحد ولا بيان له على البيان على أن جعل إياك نعبد بيانا ربما يناقض ما أدعاه من أن الشكر بالقلب والجوارح واللسان والحمد بالأخير لأن العبادة تكون بها كلها فيلزم أن يكون الحمد كذلك وأيضا الإذهاب إلى فسحة الإلتفات والقول بأن قوله الحمد إلخ وارد على الشكر اللساني وإياك نعبد مشعر بالشكر بالجوارح وإياك نستعين مؤذن بالشكر القلبي أولى من الفرار إلى مضيق القول بالبيان وايضا في تعقيب هذه الصفات للحمد إشعار بأن إستحقاقه له لإتصافه بها وقد تقرر أن في إقتران الوصف المناسب بالحكم إشعارا بالعلية وههنا الصفات بأسرها تضمنت العموم فينبغي أن يكون العموم في الحمد أيضا لأن الشكر يقتضي المنعم والمنعم عليه والنعمة فالمنعم هو الله تعالى والأسم الأعظم جامع لمعاني الأسماء الحسنى ما علم منها وما لم يعلم والمنعم عليه العالمون وقد أشتمل على كل جنس مما سمى به وموجب النعم الرحمن الرحيم وقد أستوعب ما أستوعب فأذن لا يستدعي تخصيص الحكم بالبعض سوى التحكم أو التوهم هذا وأنا لو خليت وطبعي لا أمنع أن تكون أل للحقيقة من حيث هي كما في قولهم الرجل خير من المرأة أو لها من حيث وجودها في فرد غير معين كما في أدخل السوق أو لها في جميع الأفراد وهو الإستغراق كما في إن الإنسان لفي خسر والقول بأن هذا المقام آب عن الإستغراق لأن إختصاص حقيقة الحمد به تعالى أبلغ من إختصاص أفرادها جمعا وفرادى لإستلزام الأول الثاني وسلوك طريقة البرهان أقضى لحق البلاغة وأيضا أصل الكلام نحمد الله تعالى حمدا وحمدنا بعض لا كل وفي إختصاص الجنس إشعار بأن حمد كل حامد لكل محمود حمد لله تعالى على الحقيقة لأنه إنما حمده على الصفات الكمالية المفاضة عليه من الفياض الحق جل وعلا فهو فعله على الحقيقة والحمد على الفعل الجميل والمعتزلي وإن قال بالإستقلال لا يمنع أن الأقدار والتمكين منه تعالى فيمكنه من هذا الوجه أن يعمم عند المقتضى له وقد صرح بهذا الزمخشري أول التغابن فقال في قوله تعالى : له الملك وله الحمد قدم الظرفان ليدل بتقديمهما على معنى إختصاص الملك والحمد بالله تعالى ثم قال وأما حمد غيره فإعتداد بأن نعمة الله تعالى جرت على يده وقد يقال أيضا على أصله أن الحمد المستغرق لا يجوز أن يختص بل الحمد الحقيقي الكامل الذي يقتضيه إجراء هذه الصفات فاللام للحقيقة ويراد أكمل أنواعها فهو من باب ذلك الكتاب وحاتم الجود لأنه الذي يحق أن يطلق عليه الحقيقة حتى كأنه كلها لا لأنها للإستغراق في المقام الخطابي وتنزيل غير ذلك منزلة العدم فإنه تطويل للمسافة مع قصرها كلام لا أقبله وإن جل قائله ويعرف الرجال بالحق لا ألحق

الصفحة 73