كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 1)

لا يقال له حامد إذ لا يصاغ لغة للمخبر عن غيره من متعلق إخبار وأسم قطعا فلا يقال لقائل زيد له القيام قائم فلو كان الحمد إخبارا محضا لم يقل لقائل الحمد لله حامد وهو باطل نعم يتراءى لزوم أن يكون كل مخبر منشئا حيث كان واصفا للواقع ومظهرا له وهو توهم فإن الحمد مأخوذ فيه مع ذكر الواقع كونه على وجه التعظيم وهذا ليس جزء ماهية الخبر فأختلف الحقيقتان فالجملة إنشائية لا محالة وقال الملا خسرو هي وأمثالها إخبارية لغة ونقلها الشارع للإنشاء لمصلحة الأحكام وأعترض على إنشائيتها بأن الإستغراق ينافيه ويستلزم كون الحامد منشئا لكل حمد ومن المحال إنشاء الحمد القائم بغيره وأجيب بأنه لا منافاة ولا أستلزام ويكفي كونه منشئا للأخبار بأن كل حمد ثابت له ومحمود به والذي أرتضيه أنها إخبارية كما عليه المعظم ويد الله تعالى مع الجماعة والمراد الأخبار بأن الله تعالى مستحق الحمد كما قال سبحانه له الحمد في الأولى والآخرة والمتكلم بها عن إعتقاد واصف ربه سبحانه بالجميل ومعظم له جل شأنه فيقال له حامد لذلك لا المحض الأخبار بما فيه لفظ الحمد بل إذا غير الصيغة إلى ما ليس فيها ذلك اللفظ مما هو مشتمل على الوصف بالجميل بقصد التعظيم قيل له ايضا حامد فللحمد صيغ شتى وعبارات كثيرة حتى جعل منها الإقرار بالعجز عن الحمد وقد نقل أن داؤد عليه السلام قال : يارب كيف أشكرك والشكر من آلائك فقال : يا داؤد لما علمت عجزك عن شكري فقد شكرتني فما ذكره إبن الهمام أولا من أن المخبر بالحمد لا يقال له حامد إن أراد أن المخبر من حيث أنه مخبر لايقال له ذلك فمسلم والدليل تام لكنا بمعزل عن هذه الدعوى وإن أراد أن المخبر مطلقا ولو قصد التعظيم لا يقال له ذلك فممنوع ولا تقريب في الدليل كما لايخفى وما ذكره ثانيا من قوله نعم إلخ يعلم دفعه من خبايا زوايا كلامنا وما ذكره الملاخسرو ويرد عليه أن النقل في أمثال ما نحن فيه بلا ضرورة ممنوع ولاتظن من كلامي هذا أني أمنع أن يكون الحمد بحملة إنشائية رأسا معاذ الله ولكني أقول أن الجملة هنا إخبارية وأن الحمد يصح بها بناء على ما ذكرناه والبحث بعد محتاج إلى تحرير ولعل الله تعالى يوفقه لنا في مظانه والظن بالله تعالى حسن
الثاني أنه شاع السؤال عن معنى كون حمد العباد لله تعالى مع أن حمدهم حادث وهو سبحانه القدير ولا يجوز قيام الحادث به وأجيب بأن المراد تعلق الحمد به تعالى ولا يلزم من التعلق القيام كتعلق العلم بالمعلومات فلا يتوجه الأشكال أصلا وقيل أن الحمد مصدر بناء المجهول فيكون الثابت له عز شأنه هو المحمودية وصيغة المصدر تحتمل ذلك وغيره ولهذا جعل بعضهم في الحمد لله أوائل الكتب أثنين وأربعين إحتمالا وقيل وهو من الغرابة بمكان أن اللام للتعليل أي الحمد ثابت لأجل الله تعالى الثالث أنه أتى بإسم الذات في الحمد له لئلا يتوهم لو أقتصر على الصفة إختصاص إستحقاقه الحمد بوصف دون وصف وذلك لأن اللام على ما قيل للإستحقاق فإذا قيل الحمد لله يفيد إستحقاق الذات له وإذا علق بصفة أفاد إستحقاق الذات الموصوفة بتلك الصفة له والإختصاص إفادة التعريف ولكون الإختصاص كذلك حكما باطلا في نفسه جعل متوهما لا لأن تعليق الحكم بالوصف يدل على العلية لا على الإختصاص لأنه

الصفحة 76