كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 1)
مستفاد من تعريف المسند إليه ومعنى الإستحقاق الذاتي ما لا يلاحظ معه خصوصية صفة حتى الجميع لا ما يكون الذات البحث مستحقا له فإن إستحقاق الحمد ليس إلا على الجميل وسمى ذاتيا لملاحظة الذات فيه من غير إعتبار خصوصية صفة أو لدلالة أسم الذات عليه أو لأنه لما لم يكن مستندا إلى صفة من الصفات المخصوصة كان مسندا إلى الذات وقد قسم بعض ساداتنا قدس الله تعالى أسرارهم الحمد بإعتبار صدوره إلى قسمين فمصدره بإعتبار الفرق من محلين ومنبعه من عينين فإن وجد من الحق وصدر من الوجود المطلق فتارة يكون على الذات بإنفرادها ووحدتها وغيبتها في عماء هويتها وتارة بكمال إطلاقها في وجودها وتارة بتنزلاتها إلى حظيرات شهودها وتارة بكمال أوصافها ونعوتها وتارة بكمال آثارها وأفعالها وتارة يثني على أوصافها من حيث الجملة وتارة من حيث التفصيل فيثني على العلم من حيث إحاطته بكل معلوم من حق وخلق وغيب وشهادة وملك وملكوت وبرزخ وجبروت وإستقلاله بالوجود من غير مدة ولا مادة ولا معلم ولا مفيد وتقدسه عن النقص وتنزهه عما يخطر في الوهم وكذلك على سائر الصفات بما يليق بها ويجب لها وإن وجد من الخلق والوجود المقيد فتارة يكون على ذات الحق وتارة على صفاته وتارة على أسمائه ومرة على أفعاله وطورا على أسراره وكرة على لطيف صنعه وخفي حكمته في أفعاله وآثاره وذلك بحسب مبلغ الناس في العلم ومنتهاهم في العقل والفهم وما قدروا الله حق قدره ولا يحيطون به علما وسبحان ربك رب العزة عما يصفون وإذا أعتبر الجمع كان الكل منه وإليه وإن إلى ربك المنتهى فلا حامد ولا محمود سواه أورى بسعدي والرباب وزينب وأنت الذي يعني وأنت المؤمل وهناك يرتفع كل إشكال وينقطع كل مقال وإنما قدم الحمد على الأسم الكريم لإقتضاء المقام مزيد إهتمام به لكونه بصدد صدور مدلوله فهو نصب العين وإن كان ذكر الله تعالى أهم في نفسه والأهمية تقتضي التقديم إلا أن المقتضى العارض بحسب المقام أقوى عند المتكلم وتأخير ما قدم هنا في نحو قوله تعالى وله الحمد في السموات لغرض آخر سيأتيك مع أمور أخر في محله إن شاء الله تعالى والرب في الأصل مصدر بمعنى التربية وهي تبلغ الشيء إلى كماله بحسب إستعداده الأزلي شيئا فشيئا وكأنها من ربا الصغير كعلا إذا أنشأ فعدى بالتضعيف ووصف به للمبالغة الحقيقية والصورية فالتجوز فيه إما عقلي من قبيل فإنما هي إقبال وإدبار أو لغوى كاسأل القرية وقيل هو صفة مشبهة وفي شرح التسهيل أنه ممنوع والظاهر أنه من مبالغة اسم الفاعل أو هو أسم فاعل وأصله راب فحذفت ألفه كما قالوا رجل بار وبر قاله أبو حيان ويؤيده إضافته إلى المفعول وقد ذكروا أن الصفة المشبهة تضاف إلى الفاعل ويطلق أيضا على الخالق والسيد والملك والمنعم والمصلح والمعبود والصاحب إلا أن المشهور كونه بمعنى التربية فلهذا قال بعض المحققين إنه حقيقة فيه لأن التبادر أمارتها وفي البواقي إما مجاز أو مشترك والأول أرجح لأن جميعها يوجد معنى التربية ووجود العلاقة أمارة المجاز ولأن اللفظ إذا دار بين المجاز والإشتراك يحمل على المجاز كما تقرر في مباديء اللغة وحمله الزمخشري هنا على معنى المالك ولعل ما أخترناه خير منه لأنه بعد تسليم أنه حقيقة في ذلك يؤدي إلى أن يكون مالك يوم الدين تكرارا لدخوله في رب العالمين وإن قلنا بالتخصيص بعد التعميم يحتاج إلى بيان نكتة إدراج الرحمن الرحيم بينهما ولا تظهر لهذا العبد على أن مختارنا أنسب بالمقام لأن التربية أجل النعم بالنسبة إلى ألمنعم عليه وأدل على كمال فعله تعالى وقدرته وحكمته تدلك على ذلك الآثار وما فيها من الأسرار وأستطيب بعضهم ما أختاره الطيبي من وجوب حمل الرب على كلا مفهوميه والقدر المشترك المتصرف ألزم وسبيل أعمال المشترك في كلا مفهوميه إذا
الصفحة 77
404