كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 1)

أتفقا في أمر سبيل الكناية من أنها لا تنافي إرادة التصريح مع إرادة ما عبر عنه وإذا أختلف سبيل الحقيقة والمجاز وعلى كل حال لا يطلق لغة على غيره تعالى إطلاقا مستفيضا إلا مقيدا بإضافة ونحوها مما يدل على ربوبية مخصوصة وقول إبن حلزة في المنذر بن ماء السماء : وهو الرب والشهيد على يوم الخيارين والبلاء بلاء نادر وأستظهر الإمام السيوطي أن المراد نفي إطلاقه على غيره تعالى شرعا والشعر جاهلي وفي كلام الجوهري ما يؤيده وقال الشهاب : لو كان بمعنى غير المالك جاز مع القرينة إطلاقه على غيره تعالى وجوز بعضهم إطلاقه منكرا كما في قول النابغة : نحث إلى النعمان حتى نناله فدى لك من رب طريفي وتالدي وكره بعضهم إطلاقه مقيدا بالإضافة إلى عاقل كرب العبد لإيهام الإشتراك وروى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه لا يقل أحدكم أطعم ربك وضيء ربك ولا يقل أحد ربي وليقل سيدي ومولاي وأجابوا عن قول يوسف عليه السلام أرجع إلى ربك و إنه ربي ونحوه بأنه مثل وخروا له سجدا مخصوص جوازه بزمانه والعالمين في المشهور جمع عالم وأعترض بأنه يعم العقلاء وغيرهم وعالمون خاص بالعقلاء وأجيب بكونه جمعا له بعد تخصيصه بهم وهو في حكم الصفات كما سيعلم بتوفيقه تعالى من تعريفه أو نقول بالتغليب وقيل نزل من ليس له العلم لكونه دالا على معنى العلم منزلة من له العلم فجمع بالواو والنون كما في أتينا طائعين ورأيتهم لي ساجدين وقيل هو أسم جمع على وزن السلامة ولا نظير له وفيه نظر لأن الأسم الدال على أكثر من إثنين إن كان موضوعا للآحاد المجتمعة دالا عليها دلالة تكرار الواحد بالعطف فهو الجمع وإن كان موضوعا للحقيقة ملغى فيه إعتبار الفردية فهو اسم الجنس الجمعي كتمر وتمرة وإن كان موضوعا لمجموع الآحاد فهو أسم جمع سواء كان له واحد كركب أولا كرهط فأنظر أي التعريفات صادقة عليه وفي الكشف لو قيل عالم وعالمون كعرفة وعرفات لم يبعد وفيه أنه أبعد بعيد لأنه قياس فيما يعرف بالسماع على أن للعالمين آحادا يسمى كل منها عالما فلا مرية في كونه جمعا له بخلاف عرفات فإنه ليس آحاد كل منها عرفة والعالم كالخاتم أسم لما يعلم به وغلب فيما يعلم به الخالق تعالى شأنه وهو كل ما سواه من الجواهر والأغراض ويطلق على مجموع الأجناس وهو الشائع كما يطلق على واحد منها فصاعدا فكأنه أسم للقدر المشترك وإلا يلزم الإشتراك أو الحقيقة والمجاز والأصل نفيهما ولا يطلق على فرد منها فلا يقال عالم زيد كما يقال عالم الإنسان ولعله ليس إلا بإعتبار الغلبة والإصطلاح وأما بإعتبار الأصل فلا ريب في صحة الإطلاق قطعا لتحقق المصداق حتما فإنه كما يستدل على الله سبحانه وتعالى بمجموع ما سواه وبكل جنس من أجناسه يستدل عليه تعالى بكب جزء من أجزاء ذلك المجموع وبكل فرد من أفراد تلك الأجناس لتحقق الحاجة إلى المؤثر الواجب لذاته في الكل فإن كل ما ظهر في المظاهر مما عز وهان وحضر في هذه المحاضر كائنا ما كان لإمكانه وإفتقاره دليل لائح على الصانع المجيد وسبيل واضح إلى عالم التوحيد فيا عجبا كيف يعصي الإله أم كيف يجحده الجاحد وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد وإنما أتى الرب سبحانه بالمع المعرف لأنه لو أفرد وعرف بلام الإستغراق لم يكن نصا فيه لإحتمال العهد بأن يكون إشارة إلى هذا العالم المحسوس لأن العالم وإن كان موضوعا للقدر المشترك إلا أنه شاع إستعماله بمعنى

الصفحة 78