كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 1)

أردانها بسماع وصف الربوبية كما يشعر بذلك قوله تعالى وإذا أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى فهم ينادونه سبحانه بأول أسم قررهم به فأقروا وأخذ به عليهم العهد فأستقاموا وأستقروا فهو حبيبهم الأول ومفزعهم إذا أشكل الأمر وأعضل تركت هوى سعدى وليلى بمعزل وعدت إلى مصحوب أول منزل ونادتني الأهواء مهلا فهذه منازل من تهوى رويدك فأنزل وقريب من هذا ما ذكره الشيخ الأكبر قدس سره الأنور مما حاصله أن الله تعالى لما أوجد الكلمة المعبر عنها بالروح الكلي إيجاد إبداع وأعماه عن رؤية نفسه فبقى لا يعرف من أين صدر ولا كيف صدر فحرك همته لطلب ما عنده ولا يدري أنه عنده قد يرحل المرء لمطلوبه والسبب المطلوب في الراحل ونحن أقرب إليه من حبل الوريد فأخذ في الرحلة بهمته فأشهده الحق ذاته فعلم ما أودع الله تعالى فيه من الأسرار والحكم وتحقق عنده حدوثه وعرف ذاته معرفة إحاطية فكانت تلك المعرفة غذاء معينا يتقوت به وتدوم حياته فقال له عند ذلك التجلي الأقدس ما أسمى عندك فقال أنت ربي فلم يعرفه إلا في حضرة الربوبية وتفرد القديم بالألوهية فإنه لا يعرفه إلا هو فقال له سبحانه أنت مربوبي وأنا أعطيتك أسمائي وصفاتي ولا يحصل لك العلم إلا من حيث الوجود ولو أحطت علما بي لكنت أنت أنا ولكنت محاطا لك وأمدك بالأسرار الألهية وأربيك بها فتجدها مجعولة فيك فتعرفها وقد حجبتك عن معرفة كيفية إمدادي لك بها إذ لا طاقة لك أن تحمل مشاهدتها إذ لو عرفتها لا تحدث الأنية وأين المركب من البسيط ولا سبيل إلى قلب الحقائق إلى آخر ما قال ويعلم منه إشارة سر إفتتاح الأوصاف في الفاتحة برب العالمين وفيه أيضا مناسبة لحال البعثة وإرساله صلى الله تعالى عليه وسلم إلى من أرسل إليه لأن ذلك أعظم تربية للعباد ورمز خفي إلى طلب الشفقة والرأفة بالخلق كيف كانوا لأن الله تعالى ربهم أجمعين داريت أهلك في هواك وهم عدا ولأجل عين ألف عين تكرم وقد قرء رب العالمين بالنصب ونسب ذلك إلى زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما وقد أختلف في توجيهه فقيل نصب على القطع ويقدر العامل هنا أمدح للمقام أو أذكر لا أعني لأن ذلك إذا لم يكن المنعوت متعينا كما في شرح العمدة وضعف بالإتباع بعد القطع في النعت وأجيب بأن الرحمن بدل لا نعت وروى أنه قريء بنصب الرحمن الرحيم فلا ضعف حينئذ وقيل بفعل مقدر دل عليه الحمد وليس على التوهم كما توهم أبو حيان فضعفه بزعمه أنه من خصائص العطف وقيل بالحمد المذكور وأعترض بأن فيه إعمال المصدر المحلي باللام وبأنه يلزم الفصل بين العامل والمعمول بالخبر الأجنبي وأجيب عن الأول بأن سيبويه وهو هو جوز أعمال المحلي مطلقا والظرف تكفيه رائحة الفعل نعم منعه الكوفيون مطلقا وجوزه على قبح الفارسي وبعض البصريين وفصل البعض بين ما تعاقب أل فيه الضمير فيجوز وما لا فلا وعن الثاني بأن هذا الخبر كان معمولا لهذا المبتدأ في موضع المفعول كما تقول حمدا له فليس بأجنبي صرف على أن المبتدأ والخبر لإتحادهما معنى كشيء واحد فلا أجنبي
وحكى عن بعض النحاة جواز الأعمال مطلقا وقيل بالنداء ولا يخفى ما فيه من اللبس والفصل والإلتفات الذي لا يكاد لخلوه عما يأتي إن شاء الله تعالى يلتفت إليه وقيل رب فعل ماض وفيه أن أمره مضارع في البعد لما تقدم وأن الجملة لا تكون صفة والحالية غير حسنة الحال مع أنه قريء بنصب ما بعد والمناسب المناسبة وأهون الأمور عندي أولها

الصفحة 81