كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 1)
في رواية وأبو رجاء العطاردي وقرأ مالك بالإمالة البليغة يحيى بن يعمر وأيوب السختياني ويبين بين قتيبة بن مهران عن الكسائي ولم يطلع على ذلك أبو علي الفارسي فقال لم يمل أحد وذكر أنه قرأ ملاك بالألف وتشديد اللام وكسر الكاف فهذه عدة قراءات ذكرتها لغرابة وقوع مثلها في كلمة واحدة بعضها راجعة إلى الملك وبعضها إلى المالك قال بعض اللغويين : وهما راجعان إلى الملك وهو الشد والربط ومنه ملك العجين وأنشدوا قول قيس بن الحطيم : ملكت بها كفى فأنهرت فتقها يرى قائما من دونها ما وراءها والمتواتر منها قراءة مالك وملك فهما نيرا سواريها وقطبا فلك دراريها وأختلف في الأبلغ منهما قال الزمخشري : وملك هو الإختيار لأنه قراءة أهل الحرمين ولقوله تعالى : لمن الملك ولقوله تعالى ملك الناس ولأن الملك يعم والملك يخص ورجحه صاحب الكشف أيضا بأنه يلزم على قراءة مالك نوع تكرار لأن الرب بمعناه أيضا وبأنه تعالى وصف ذاته المتعالية بالملكية عند المبالغة في قوله مالك الملك بالضم دون المالكية
وأعترض ذلك كله أما أولا فلأن قراءة أهل الحرمين لا تدل على الرجحان لأنه لو سلم كون أوائلهم أعلم بالقرآن لا نسلم ذلك في عهد القراء المشهورين ألا ترى أن صحيح البخاري مقدم على موطأ مالك وهو عالم المدينة على أن القراءات المشهورة كلها متواترة وبعد التواتر المفيد للقطع لا يلتفت إلى أصول الرواة وقول الشهاب : لا يخفى أن أهل الحرمين قديما وحديثا أعلم بالقرآن والأحكام فمن رواء المنع أيضا ودون إثباته التعب الكثير كما لا يخفى على من لم ترعه القعاقع وأما ثانيا فلأن الإستدلال بقوله تعالى : لمن الملك اليوم يخدشه قوله : يوم لا تملك نفس لنفس شيئا فإنه سبحانه أراد باليوم يوم القيامة وهو يوم الدين ونفى المالكية عن غيره يقتضي إثباتها له إذ السياق لبيان عظمته تعالى والأمر آخر الآية واحد الأمور لا الأوامر وإن كثر إستعماله فيه
وأما ثالثا فلأن ما في الناس مغاير لما هنا لأن مالك الناس لو كان هناك كما قريء به شذوذا يتكرر مع رب الناس وأما هنا فلا تكرار لإختلاف المقام وأما رابعا فلأن ما أدعاه من أن الملك بضم الميم يعم والملك بالكسر يخص خلاف الظاهر والظاهر أن بين المالك والملك عموما وخصوصا من وجه لغة عرفا فيوسف الصديق عليه السلام بناء على أنه مالك لاقاب المصريين في القحط بمقتضى شرعهم ملك ومالك والتاجر مالك غير ملك والسلطان على بلد لا ملك له فيها غير مالك وأما خامسا فبأن التكرار الذي زعمه صاحب الكشف قد كشف أمره على أنه مشترك الإلزام إذ الجوهري ذكر أن الرب كان يطلق على الملك
وأما سادسها فلأن الدليل الأخير الذي ساقه لك أن تقلبه بأنه تعالى وصف ذاته بالمالكية دون الملكية وأيضا إضافة المالك إلى الملك تدل على أن المالك أبلغ من الملك لأن الملك بالضم قد جعل تحت حيطة المالكية فكأنه أحد مملوكاته كذا قالوه ولهم ما كسبوا وعليهم ما أكتسبوا وعندي لا ثمرة للخلاف والقراءتان فرسا رهان ولا فرق بين المالك والملك صفتين لله تعالى كما قاله السمين ولا إلتفات إلى من قال إنهما كحاذر وحذر ومتى أردت ترجيح أحد الوصفين تعارضت لدى الأدلة وسدت على الباب الآثار وأنقلب إلي بصر البصيرة خاسئا وهو حسير إلا أني أقرأ كالكسائي مالك لأحظى بزيادة عشر حسنات ولأن فيه إشارة واضحة إلى الفضل الكبير والرحمة الواسعة والطمع بالمالك من حيث أنه مالك فوق الطمع بالملك من حيث أنه ملك فأقضي ما يرجي من الملك أن ينجو الإنسان منه رأسا برأس ومن المالك يرجى ما هو فوق ذلك فالقراءة به
الصفحة 83
404