كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 1)
أنا الله وإن كان للإحسان والتربية والأنعام فإني أنا رب العالمين وإن كان للرجاء والطمع في المستقبل فإني أنا الرحمن الرحيم وإن كان للخوف فإني أنا مالك يوم الدين ومن الناس من أستدل كما قال الإمام على وجوب اشكر عقلا قبل مجيء الشرع بأنه تعالى أثبت الحمد هنا لذاته ووصفه بكونه بالعالمين رحمانا رحيما بهم مالكا لعاقبة أمورهم في القيامة وترتب الحكم على الوصف المناسب يدل على كون الحكم معللا به فدل ذلك على ثبوت الحمد له قبل الشرع وبعده وهو على ما فيه دليل عليه لاله لأنه بيان من الله تعالى لا يجابه فهو سمعي لا عقلي فالمستدل به كناطح صخرة هذا وفي ذكر هذه الأسماء الخمسة أيضا لطائف فالإنسان بدن ونفس شيطانية ونفس سبعية ونفس بهيمية وجوهر ملكي عقلي فالتجلي بأسمه تعالى الله للجوهر الملكي أتلا بذكر الله تطمئن القلوب وباسم الرب للنفس الشيطانية رب أعوذ بك من همزات الشياطين وبأسم الرحمن للنفس السبعية بناء على أنه مركب من لطف وقهر الملك يومئذ الحق للرحمن وبأسم الرحيم للنفس البهيمية أحل لكم الطيبات وبمالك يوم الدين للبدن الكثيف سنفرغ لكم أيها الثقلان
وآثار هذا التجلي طاعة الأبدان بالعبادة وطاعة النفس الشيطانية بطلب الإستعانة والسبعية بطلب الهداية والبهيمية بطلب الإستقامة وتواضعت الروح القدسية فعرضت لطلب إيصالها إلى الأرواح العالية المطهرة وأيضا دعائم الإسلام خمس فالشهادة من أنوار تجلي الله والصلاة من أنوار تجلي الرب وإيتاء الزكاة من أنوار تجلي الرحمن وصيام رمضان من أنوار تجلي الرحيم والحج من أنوار تجلي مالك يوم الدين وكأنه لهذا طلبت الفاتحة في الصلاة التي هي العماد ولما بلغ الثناء الغاية القصوى قال سبحانه إياك نعبد وإياك نستعين إيا في المشهور ضمير نصب منفصل واللواحق حروف زيدت لبيان الحال وقيل أسماء أضيف هو إليها وقيل الضمير هي تلك اللواحق وإيا دعامة وقيل الضمير هو المجوع وقيل إيا مظهر مبهم مضاف إلى اللواحق وزعم أبو عبيدة إشتقاقه وهو جهل عجيب والبحث مستوفي في علم النحو وقد جاء وياك بقلب الهمزة واو ولا أدري أهو عن القراء أم عن العرب وقر أعمرو إبن فائدة عن أبي إياك بكسر الهمزة وتخفيف الياء وعلى وأبو الفضل الرقاشي أياك بفتح الهمزة والتشديد وأبو السوار الغنوي هياك بإبدال الهمزة مكسورة ومفتوحة هاء والجمهور إياك بالكسر والتشديد والعبادة أعلى مراتب الخضوع ولا يجوز شرعا ولا عقلا فعلها إلا لله تعالى لأنه المستحق لذلك لكونه موليا لأعظم النعم من الحياة والوجود وتوابعهما ولذلك يحرم السجود لغيره سبحانه لأن وضع اشرف الأعضاء على أهون الأشياء وهو التراب موطيء الأقدام والنعال غاية الخضوع وقيل لا تستعمل إلا في الخضوع له سبحانه وما ورد من نحو قوله تعالى إنكم وما تعبدون من دون الله وارد على زعمهم تعريضا لهم ونداء على غباوتهم وتستعمل بمعنى الطاعة ومنه أن لا تعبدوا الشيطان وبمعنى الدعاء ومنه إن الذين يستكبرون عن عبادتي وبمعنى التوحيد ومنه وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون وكلها متقاربة المعنى وذكر بعض المحققين أن لها ثلاث درجات لأنه إما أن يعبد الله تعالى رغبة في ثوابه أو رهبة من عقابه ويختص بأسم الزاهد حيث يعرض عن متابعة الدنيا وطيباتها طعما فيما هو أدوم واشرف وهذه مرتبة نازلة عند أهل الله تعالى وتسمى عبادة وإما أن يعبد الله تعالى تشرفا بعبادته أو لقبوله لتكاليفه أو بالإنتساب إليه وهذه مرتبة متوسطة وتسمى بالعبودية وإما أن يعبد الله تعالى لإستحقاقه الذاتي من غير نظر إلى نفسه بوجه من الوجوه ولا يقتضيه إلا الخضوع والذلة وهذه أعلى الدرجات وتمسى بالعبودة وإليه الإشارة بقول المصلي أصلي لله تعالى فإنه
الصفحة 86
404