كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 1)
لو قال أصلي لثوابه تعالى مثلا أو للتشرف بعبادته فسدت صلاته والإستعانة طلب المعونة وياء فعله منقلبة عن واو وتمسكت الجبرية والقدرية بهذه الآية أما الجبرية فقالوا لو كان العبد مستقلا لما كان للإستعانة على الفعل فائدة وأما القدرية فقالوا السؤال إنما يحسن لو كان العبد متمكنا في أصل الفعل فيطلب الإعانة من الغير أما إذا لم يقدر عليه لم يكن للإستعانة فائدة وقد اشار ناصر الملة والدين البيضاوي بيض الله تعالى وجه حجته ببيان المعونة إلى أنه لا تمسك لواحد من الفريقين في ذلك حيث قال وهي إما ضرورية أو غيرها والضرورية ما لا يتأتى الفعل دونه كإقتدار الفاعل وتصوره وحصول آلة ومادة يفعل بها فيها وعند إستجماعها يصح أن يوصف الرجل بالإستطالة ويصح أن يكلف بالفعل وغير الضرورية تحصيل ما يتيسر به الفعل ويسهل كالراحلة في السفر للقادر على المشي أو يقرب الفاعل إلى الفعل ويحثه عليه وهذا القسم لا يتوقف عليه صحة التكليف إنتهى
وحاصله أن الإستعانة طلب ما يتمكن به العبد من الفعل أو يوجب اليسر عليه وشيء منهما لا يوجب الجبر ولا القدر وعندى أن الآية إن إستدل بها على شيء من بحث خلق الأفعال فليستدل بها على أن العباد قدرا مؤثرة بإذن الله تعالى لا بالإستقلال كما عقدت عليه خنصر عقيدتي لا أنهم ليس لهم قدرة أصلا بل جميع أفعالهم كحركة المرتعش كما يقوله الجبرية إذ الضرورة تكذبه ولا أن لهم قدرة غير مؤثرة أبدا كاليد المشلولة كما هو الشائع من مذهب الإشاعرة إذ هو في المآل كقول الجبرية وأي فرق بين قدرة لا أثر لها وبين عدم القدرة بالكلية إلا بما هو كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ولا أن لهم قدرة مستقلة بالأفعال يفعلون بها ما شاؤا فالله تعالى يريد ما لا يفعله العبد ويفعل العبد ما لا يريده تعالى كما يقوله المعتزلة إذ يرد ذلك النصوص القواطع كما ستسمعه إن شاء الله تعالى ووجه الإستدلال أن إياك نعبد مشير إلى صدور الفعل من العباد وذلك يستدعي قدرة يكون بها الإيجاد ومن لا قدرة له أو له قدرة لا مدخل لها في الإيجاد لا يقال له أوجد وصحة ذلك بإعتبار الكسب كيفما فسر لا يرتضيه المنصف العاقل وقوله وإياك نستعين يدل على نفي الإستقلال فيه وأنه بإذن الله تعالى وإعانته كما يشير إليه لا حول ولا قوة إلا بالله وهذا هو اللبن السائغ الذي يخرج من بين فرث ودم فلا جبر ولا تفويض فأحفظه وأنتظر تتمته ولو كان هذا موضع القول لأشتفى فؤادي ولكن للمقال مواضع وههنا أبحاث الأول في سر تقديم الضمير على الفعلين ودكروا له وجوها الدلالة على الحصر والإختصاص كما يشعر به عدول البليغ عما هو الأصل من غير ضرورة ولذلك قال إبن عباس رضي الله تعالى عنهما معناه لا نعبد غيرك وهو حقيقي لا يستدعي رد خطأ المخاطب والمقصود منه التبرئة عن الشرك وتعريض بالمشركين وتقديم ما هو مقدم في الوجود فإنه تعالى مقدم على العابد والعبادة ذاتا فقدم وضعا ليوافق الوضع الطبع وتنبيه العابد من أول الأمر على أن المعبود هو الله تعالى الحق فلا يتكاسل في التعظيم ولا يلتفت يمينا وشمالا والإهتمام فإن ذكره تعالى أهم للمؤمنين في كل حال لا سيما حال العبادة لأنها محل وساوس الشيطان من الغفلة والكسل والبطالة والتصريح من أول وهلة بأن العبادة له سبحانه فهو أبلغ في التوحيد وأبعد عن إحتمال الشرك فإنه لو أخر فقيل أن يذكر المفعول يحتمل أن تكون العبادة لغيره تعالى والإشارة إلى حال العارف وأنه ينبغي أن يكون نظره إلى المعبود أولا وبالذات وإلى العبادة من حيث أنها وصلة إليه وراحلة تغد به عليه فيبقى مستغرقا في مشاهدة أنوار جلاله مستقرا في فردوس أنوار جماله وكم من فرق بين قوله تعالى للمحمديين أذكروني
الصفحة 87
404