كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 1)

سبحانه ممدود على متن جهنم الكفر والفسق والجهل والبدع والأهواء وهو الإستقامة على ما ورد به الشرع الشريف القويم علما وعملا وخلقا وحالا وهو الذي يظهر في الآخرة على متن جهنم الجزاء ممثلا مصورا بالتمثيل الرباني والتصوير الألهي على حسب ما عليه العبد اليوم فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد دون ذلك فلا يلومن إلا نفسه وللتذكير بذلك الصراط لم يقل السبيل ولا الطريق وإن كان الكل واحدا والثاني طريق الوصول إلى الله تعالى ومن شهد الخلق لا فعل لهم فقد فاز ومن شهدهم لا حياة لهم فقد جاز ومن شهدهم عين العدم فقد وصل وتم سفره إلى الله تعالى ثم يتجدد له السفر فيه سبحانه وهو غير متناه لأن نعوت جماله وجلاله غير متناهية ولا يزال العبد يرقى من بعضها إلى بعض كما يشير إليه قوله صلى الله تعالى عليه وسلم : إنه ليغان على قلبي فأستغفر الله في اليوم والليلة سبعين مرة وهناك يكون عز شأنه يده وسمعه وبصره فبه يبطش وبه يسمع وبه يبصر ووراء ذلك ما يحرم كشفه فمتى قال العامي أهدنا الصراط المستقيم أراد أرشدنا إلى الإستقامة على إمتثال أوامرك وإجتناب نواهيك ومتى قال ذلك أحد الخواص أراد ثبتنا على ما منحتنا به وهو المروي عن يعسوب المؤمنين كرم الله تعالى وجهه وأبي رضي الله تعالى عنه وذلك لأن طالب هداية الطريق المستقيم ليسلكه له في سلوكه مقامات وأحوال ولكل منها بداية ونهاية ولا يصل إلى النهاية ما لم يصحح البداية ولا ينتقل إلى مقام أو حال إلا بعد الرسوخ فيما تحته والثبات عليه فما دام هو في أثناء المقام أو الحال ولم يصل إلى نهاية يطلب الثبات على ما منح به ليرسخ له ذلك المقام ويصير ملكه فيرقى منه إلى ما فوقه وذلك هو الفضل الكبير والفوز العظيم وللمحققين في معنى أهدنا وجوه دفعوا بها ما يوشك أنيسأل عنه منأن المؤمن مهتد فالدعاء طلب لتحصيل الحاصل أحدها أن معناه ثبتنا على الدين كيلا تزلزلنا الشبه وفي القرآن ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وفي الحديث اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك وثانيها أعطنا زيادة الهدى كما قال تعالى : والذين أهتدوا زادهم هدى وثالثها أن الهداية الثواب كقوله تعالى يهديهم ربهم بإيمانهم فالمعنى أهدنا طريق الجنة ثوابا لنا وأيد بقوله تعالى الحمد لله الذي هدانا لهذا ورابعها أن المراد دلنا على الحق في مستقبل عمرنا كما دللتنا عليه في ماضيه ولهم بعد أيضا كلمات متقاربة غير هذا ولعله يغنيك عن الكل ما ذكره الفقير فتدبره ولا تغفل
بقى الكلام في ربط هذه الجملة بما قبلها وقد قيل أن عندنا إحتمالات أربعة لأن طلب المعونة إما في المهمات كلها أو في أداء العبادة والصراط المستقيم إما أنيؤخذ بمعنى خاص كملة الإسلام أو بمعنى عام كطريق ألحق خلاف الباطل فعلى تقديري عموم الإستعانة والصراط وخصوصهما يكون أهدنا بيانا للمعونة المطلوبة كأنه قال كيف أعينكم في المهمات أو في العبادة فقالوا أهدنا طريق الحق في كل شيء أو ملة الإسلام فيكون الفصل لشبه كمال الإتصال وعلى تقدير عموم الإستعانة وخصوص الصراط يكون أهدنا إفرادا للمقصود الأعظم ن جميع المهمات فيكون الفصل حينئذ لكمال الإتصال وأما على تقدير خصوص الإستعانة وعموم الصراط فلا إرتباط وما عندي غير خفي عليك إن أحطت خبرا بما قدمناه لديك وقد قرأ الحسن والضحاك وزيد بن علي صراطا مستقيما دون تعريف وقرأ جعفر الصادق صراط المستقيم بالإضافة والمتواتر ما تلوناه صراط الذين أنعمت عليهم بدل من الصراط الأول بدل الكل من الكل وهو الذي يسميه إبن مالك البدل الموافق أو المطابق تحاشيا من إطلاق الكل على الله تعالى في مثل صراط العزيز الحميد الله وفائدة الإبدال تأكيد النسبة بناء على أن البدل في حكم تكرير العامل والأشعار بأن الصراط المستقيم بيانه وتفسيره صراط المسلمين فيكون ذلك شهادة لإستقامة صراطهم على أبلغ وجه وآكده وقيل صفة له ومن غريب المنقول أن الصراط الثاني غير الأول وكأنه نوى فيه حرف

الصفحة 93