كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 1)
كذلك الموصول المذكور بالنظر إلى التعيين الجنسي المستفاد من مفهوم الصلة معرفة وبالنظر إلى البعضية المستفادة من خارج كالنكرة فيعامل به معاملتهما أيضا فالذين أنعمت عليهم إذا لم يقصد به معهود كذلك إذ لا صحة لإرادة جنس المنعم عليهم من حيث هو إذ لا صراط له ولا غرض يتعلق بطلب صراط من أنعم عليهم على سبيل الإستغراق سواء أريد إستغراق الأفراد والجماعات أو المجموع من حيث المجموع فالمطلوب صراط جماعة ممن أنعم عليهم بالنعم الأخروية أعني طائفة من المؤمنين لا بأعيانها فإن نظر إلى البعضية المبهمة المستفادة من إضافة الصراط إليهم كان كالنكرة وإن نظر إلى مفهومه الجنسي أعني المنعم عليهم كان معرفة قاله العلامة الساليكوتي وغيره ولايخلو عن دغدغة أو يقال وهو المعول عليه عند من يعول عليه أن غير هنا معرفة لأن المحققين من علماء العربية قالوا إنها قد تتعرف بالإضافة وذلك إذا وقعت بين متضادين معرفتين نحو عليك بالحركة غير السكون وقال إبن السري وغيره : إذا أضيفت غير إلى معرف له ضد واحد فقط تعرفت لإنحصار الغيرية وهنا المنعم عليهم ضد لما بعده ولا يرد على هذا قوله تعالى ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل لجواز أن يكون صالحا حالا قدمت على صاحبها وهو غير الذي أو غير الذي بدلا من صالحا ولو قيل ضد الصالح الطالح والذي كانوا يعملون فرد من أفراده فليس بضد لم يبعد وقرأ عمر إبن الخطاب رضي الله تعالى عنه غير بالنصب وروى ذلك شاذا عن إبن كثير وهو حال من ضمير عليهم والعامل فيه أنعمت ويضعف أن يكون حالا من الذين لأنه مضاف إليه والصراط لايصح بنفسه أن يعمل في الحال وقيل يجوز والعامل فيه معنى الإضافة وجوز الأخفش أن يكون النصب على الإستثنأء المنقطع أو المتصل إن فسر الأنعام بما يعم ومنعه الفراء لأنه حينئذ بمعنى سوى فلا يجوز أن يعطف عليه بلا لأنها نفي وجحد ولا يعطف الجحد إلا على مثله وأجيب بزيادة لا مثلها في قوله تعالى : ما منعك أن لا تسجد وفي قول الأخوص : ويلحينني في اللهو أن لا أحبه وللهو داع دائب غير غافل وأعترض بأنه لم تسمع زيادتها بعدو أو العطف والكلام فيه وحكى بعضهم عن الأخفش أن الإستثناء في معنى النفي فيجوز العطف عليه بلا حملا على المعنى فحينئذ لا يرد ما ورد وعند الخليل النصب بفعل محذوف أعني أعني وبه أقول لأن الإستثناء كما ترى والحالية تقتضي التنكير ولا يتحقق إلا بعدم تحقق التضاد أو بجعل غير بمعنى مغاير لتكون إضافته لفظية وكلاهما غير مرضي لما علمت وقال بعضهم في الآية حذف والتقدير غير صراط المغضوب عليهم وهو ممكن على هذه القراءة فيكون غير حينئذ إما صفة لقوله الصراط وهو ضعيف لتقدم البدل على الوصف إذا قلنا به والأصل العكس أو بدل أو صفة للبدل أو بدل منه أو حال من أحد الصراطين والصراط السوي عدم التقدير
والغضب أصله الشدة ومنه الغضبة الصخرة الصلبة الشديدة المركبة في الجبل والغضوب الحية الخبيثة والناقة العبوس وفسر تارة بحركة للنفس مبدؤها إرادة الإنتقام كما في شرح المفتاح للسعد وتارة بإرادة الإنتقام كما في شرح الكشاف له وأخرى بكيفية تعرض للنفس فيتبعها حركة الروح إلى خارج طلبا للإنتقام كما في شرح المقاصد ويقرب منه ما قيل تغير يحدث عند غليان دم القلب وفي الحديث أتقوا الغضب فإنه جمرة تتوقد في قلب إبن آدم ألم تروا إلى إنتفاخ أوداجه وحمرة عينيه وفي الكشاف معنى غضب الله تعالى إرادة الإنتقام من العصاة وإنزال العقوبة بهم وأن يفعل بهم ما يفعله الملك إذا غضب على من تحت يده وأنا أقول كما قال سلف الأمة هو صفة لله تعالى لائقة بجلال ذاته لا أعلم حقيقتها ولا كيف هي والعجز عن درك الأدراك إدراك والكلام فيه كالكلام في الرحمة حذو القذة بالقذة فهما صفتان قديمتان له سبحانه وتعالى
الصفحة 95
404